(7)
علاقة السلطان مراد الأول بمنطقة البلقان
والتوسع العثماني فيها
والتوسع العثماني فيها
نبدأ من حيث انتهت الحلقة السابقة، في بيزنطة، حيث ذهب الامبراطور الجديد "يوحنا باليالوغ" إلى روما يستجدي العون ويطلب الشفاعة مقابل إدخال شعبه في طاعة البابوية.. أنكر يوحنا الكنيسة الأرثوذكسية أمام مذبح القديس بطرس، لكن الوعود المعطاة لم تنفعه، بل إن البندقية اعتبرته رهينة مقابل الديون اليونانية، فاضطر ابنه عمانويل لإحضار المال المطلوب وعاد يوحنا إلى القسطنطينية فقيرا وقد أنكره شعبه لتنازله عن مذهبه.. وبعد فشله مرة أخرى في الحصول على العون من الغرب لم يجد أمامه إلا الاعتراف بالسلطان مراد مولى عليه مقابل موافقة مساعدة الجيش العثماني له واضعا ابنه عمانويل رهينة لدى العثمانيين، فاتجه مراد حينها إلى الإمارات البلقانية.
وكي نفهم تسلسل الأحداث بين توسع الدولة العثمانية وما جرى في البلقان لا بد أن نلقي الضوء على طبيعة هذه البقعة الجغرافية..
منطقة البلقان كانت دائما محكومة بتركيبها
البشري والعرقي والقومي والديني والثقافي بالغ التعقيد.
الشعب السلافي من الصرب والبوسنة، البلغار،
الولاش، السكبتار في البانيا، والمجيار الذين شكلوا مع جيرانهم البولنديين مدة
ثلاثة قرون حاجزا رئيسيا في وجه التوسع العثماني.
أما تضاريسها الجبلية
الوعرة فغالبا ما شكلت ملاذا للأقليات المضطهدة أو الخارجين على السلطة على الرغم من
انتماء أغلب قاطنيها إلى الجنس السلافي.
ويعتقد أغلب المؤرخين أن
الشعوب السلافية جاءت من أحراج روسيا الباردة هربا من الجوع وبحثا عن أرض خصبة
فتحلقوا حول ضفاف نهر "السافا".. حاول الرومان طرد هذه الشعوب المهاجرة
دون جدوى، واستقروا هم ورحل الرومان، ولاتزال العديد من القوميات من السلافيين
باقية حتى الآن.
البلقان كلمة تركية أصيلة تعني
الجبل الوعر المكسو بالغابات، وهي أقصى شبه جزيرة جنوب أوروبا من ناحية الشرق، وتتألف من اليونان والجزء الأوروبي من تركيا وألبانيا وبلغاريا ومعظم يوغوسلافيا قبل أن
تتفكك إلى عدة دول عرقية، يحيط بالبلقان البحر الأدرياتيكي في الغرب والبحر
المتوسط في الجنوب وبحر ايجة والبحر الاسود في الشرق.
هذه المنطقة الكبيرة شكلت خط
تماس وتوتر بين الكنيستين الشرقية الأرثوذكسية والغربية الكاثوليكية، وغالبا ما تنازع فيها أبناء العمومة الصرب والكروات.
كان الصرب الأرثوذكس تحت سيادة الامبراطورية البيزنطية، غير أنهم تمكنوا من إقامة دولة مستقلة في عهد الملك ستيفان نومانيا الذي طرد البيزنطيين عام 1208م.. ومن ثم جعل ستيفان الإقليم مركزا حضاريا ودينيا مسيحيا للصرب فأصبحت المملكة الصربية أول دولة مستقلة
في البلقان.
بعد ذلك بلغت قوة الصرب ذروتها في زمن
الملك دوشان الذي أعلن نفسه قيصرا عام 1346 وجعل عاصمته مدينة بريتزين غرب
بريشتينا عاصمة كوسوفو حاليا.
أعطى دوشان امتيازات كثيرة
للكنيسة الصربية ونقل مقرها من "شيج" الى "بييا" (في كوسوفو
حاليا) وسعى الصرب المتعصبون إلى فرض الأرثوذكسية بالقوة على الشعوب الواقعة تحت
سيطرتهم، واضطهدوا جميع من رفض اعتناقها اضطهادا شديدا خاصة الكوسوفيين في عهد
السلطان العثماني أورخان بن عثمان.
لكن خلفاء دوشان كانوا ضعفاء انقسموا على أنفسهم بعد موته، على رغم تحالف قام بين ملك هنغاريا وقيصر بلغاريا عام 1355م. زاد في عوامل الانقسام والفشل محاولة من امبراطور بيزنطة يوحنا الخامس، تظاهر خلالها بقبول وحدة كنسية بين روما وبيزنطة بهدف جلب المساعدات الأوروبية الغربية..
كان المترفون والفسقة والانتهازيون ينخرون في جسم صربيا وهم الذين مهدوا لحكم طاغية صربيا "دوشان" الذي قبض على البلاد بيد من حديد.. هذه القبضة تكسرت بموته، فانهار حاجز الخوف الناجم عن شدة جبروته، وأشرفت دولة الظلم على الانمحاء والهلاك.
الإسلام انتشر في البلقان في القرن الرابع عشر على أيدي العثمانيين الذين حاولوا التوسع على حساب أراضي بيزنطة.. وكان بعض ممن اعتنقوا الإسلام من المسيحيين أبناء أقليات دينية مضطهدة وجدت في العثمانيين خلاصا من الظلم، وبعض آخر كانوا هاربين من نظام ضرائب جائر تم تطبيقه على المزارعين الفقراء.. لم يُعرف على مر الزمان أن العثمانيين بذلوا جهودا لفرض التحول إلى الإسلام، فقد كانوا أول أمة في ذلك التاريخ تأخذ بمبدأ الحرية الدينية باعتباره الدعامة الأساسية لقيام الدولة، مما جعل المسلم والمسيحي يعيشان معا في وئام في ظل حكمهم.
لكن خلفاء دوشان كانوا ضعفاء انقسموا على أنفسهم بعد موته، على رغم تحالف قام بين ملك هنغاريا وقيصر بلغاريا عام 1355م. زاد في عوامل الانقسام والفشل محاولة من امبراطور بيزنطة يوحنا الخامس، تظاهر خلالها بقبول وحدة كنسية بين روما وبيزنطة بهدف جلب المساعدات الأوروبية الغربية..
كان المترفون والفسقة والانتهازيون ينخرون في جسم صربيا وهم الذين مهدوا لحكم طاغية صربيا "دوشان" الذي قبض على البلاد بيد من حديد.. هذه القبضة تكسرت بموته، فانهار حاجز الخوف الناجم عن شدة جبروته، وأشرفت دولة الظلم على الانمحاء والهلاك.
كان الوضع سيئا تبدو صورته كالتالي:
اليونان الكاثوليك يمقتون الرومان الكاثوليك، والبنادقة يضغطون على اليونان الكاثوليك ويعملون السيوف في رقابهم في جزيرة كريت.
اليونان الكاثوليك يمقتون الرومان الكاثوليك، والبنادقة يضغطون على اليونان الكاثوليك ويعملون السيوف في رقابهم في جزيرة كريت.
أما الشعب وصغار القساوسة فقد نفروا من كل محاولة لإعادة توحيد المسيحية اليونانية واللاتينية، وكرهوا الحكام اليونانيين أكثر من الاتراك، وآثر البعض الخضوع للمسلمين الذين لا يفرضون ضرائب على الخضوع للحكام المسيحيين الذين يفرضون ضرائب جائرة.. كان سكان المنطقة المظلومون يرون أن العثمانيين لا يضطهدون باسم الهرطقة، بل ويسمحون بأربع زوجات..
وأسقط نزاع سكان ألبانيا بين الرومانيين والكاثوليك في الشمال، والارثوذكس الشرقيين في الجنوب، البلاد فريسة للفوضى والاقطاع.
وأسقط نزاع سكان ألبانيا بين الرومانيين والكاثوليك في الشمال، والارثوذكس الشرقيين في الجنوب، البلاد فريسة للفوضى والاقطاع.
الحرب الأهلية التي تورط بها الامبراطور البيزنطي عرضت اليونان للهجوم الصربي وتحطمت بلغاريا كقوة كبرى بموت إيفان آسين الثاني ودب الصراع بين قياصرها فاستنجد الشعب بالعثمانيين.
الإسلام انتشر في البلقان في القرن الرابع عشر على أيدي العثمانيين الذين حاولوا التوسع على حساب أراضي بيزنطة.. وكان بعض ممن اعتنقوا الإسلام من المسيحيين أبناء أقليات دينية مضطهدة وجدت في العثمانيين خلاصا من الظلم، وبعض آخر كانوا هاربين من نظام ضرائب جائر تم تطبيقه على المزارعين الفقراء.. لم يُعرف على مر الزمان أن العثمانيين بذلوا جهودا لفرض التحول إلى الإسلام، فقد كانوا أول أمة في ذلك التاريخ تأخذ بمبدأ الحرية الدينية باعتباره الدعامة الأساسية لقيام الدولة، مما جعل المسلم والمسيحي يعيشان معا في وئام في ظل حكمهم.
على مدى الحكم العثماني بلغ عدد المجموعات اللغوية والعرقية التي خضعت له أكثر من ستين مجموعة، فقد كانت الدولة العثمانية هي التنظيم السياسي
الوحيد في العصورالوسطى الذي اعترف رسميا بالأديان السماوية الثلاثة وأوجد بينها
تعايشا سلميا يشوبه الانسجام. وعلى رغم أن التسامح الديني داخل الدولة كان يعود
الفضل فيه إلى الأولياء من المشايخ والدراويش (زوايا الدراويش كان من واجبها إيواء
المسافرين سواء داخل المدن أو على طول الطرق) إلا أن هؤلاء الدراويش أنفسهم كانوا يقومون
بدور هام في الحض على الجهاد ضد الدولة البيزنطية.
أما سكان البلقان فلم ينصهروا في البوتقة
العثمانية كما حصل في آسيا الصغرى واحتفظوا بلغاتهم المحلية، وهذا كان من العوامل
المهمة التي جعلت سيطرة العثمانيين على المنطقة غير دائمة او مستقرة.
كيف نقل العثمانيون حربهم إلى أراضي أعدائهم في البلقان؟
كان لويس ملك المجر وبولندة تحالف مع أمراء البوسنة والصرب وولاشيا للقضاء على الوجود العثماني في أوروبا، منتهزين غياب السلطان مراد في آسيا عام 1364م.. غير أن القائد العثماني (لالا شاهين باشا) تصدى لهم وأوقع بحلفهم هزيمة منكرة في أولى حروب الطرفين وكبدهم خسائر فادحة دفعتهم للتخلي عن ممتلكاتهم في مقدونيا.. حدث ذلك على ضفاف نهر ماريتزا (أو مريج) قرب أدرنة..
في الحلقة المقبلة: انتشار الفساد والفرقة والتناحر بين المماليك حكام مصر والشام
هذه السلسلة بدأت أواخر عام 2010 كفكرة لمسلسل درامي تاريخي.. وقد تحدثت بشأنها مع بعض صناع الدراما، كما تحدثت مع الشيخ وليد الابراهيم مالك مجموعة إم بي سي الذي أعجب بها وحولني إلى مدير الإنتاج الدرامي في المجموعة للتنسيق معه، وقمت بتسجيلها قانونيا باسمي.. إلا أن اندلاع الثورات العربية وتلاحق الأحداث وعملي في أخبار العربية حينها شغلني عن المتابعة، إضافة إلى أن الإسقاط التاريخي الواضح في أحداثها على منطقتنا دفعني للانتظار كي أرى نتيجة الثورات.. وبعد أن طال الزمن وخرج مسار الأحداث عن المنطق والخيال ولم يعد ممكنا التنبؤ بالنهاية، قررت نشر السلسلة على مدونتي، لكنها لا تزال تصلح قصة لمسلسل تاريخي ضخم الإنتاج فيما بعد.. يذكر أن هذه الأحداث موثقة تاريخيا وفق عدة مراجع وكتب علمية، ولا يدخل الخيال في تفاصيلها..
حقوق المادة المكتوبة محفوظة
المراجع: تاريخ الدولة العثمانية /تأليف: الميرالاي اسماعيل سرهنك
أصول التاريخ العثماني/تأليف: أحمد عبد الرحيم مصطفي
تاريخ الدولة العثمانية/ تأليف: د.علي حسون
مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك/ تأليف: د.سعيد عبد الفتاح عاشور
تاريخ الدولة البيزنطية/ تأليف: د.جوزيف نسيم يوسف
العثمانيون والبلقان/ تأليف: د. علي حسون
تاريخ الأيوبيين والمماليك/ تأليف: د. أحمد مختار العبادي
تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام/ تأليف: د. محمد سهيل طقوش
مواقع على الانترنت
No comments:
Post a Comment