Tuesday, December 9, 2014

(6)
عهد السلطان مراد الأول 
قائد معركة كوسوفو


ولد مراد الأول خداوندكار (كلمة تعني الحاكم او صاحب السلطة) ابن أورخان عام 1326م وهو العام الذي تولى فيه والده الحكم. كان مراد طويلا بيضوي الوجه ضخم الجسم مفتول العضلات، كثيرا ما يرتدي "السكة" لباس الدراويش المولوية، ويضع عمامة على رأسه.. لباسه بسيط جدا ويفضل الجبة مع اللونين الأحمر والأبيض.
كان دمث الأخلاق لطيفا، عطوفا وعاقلا، يقيم اعتبارا خاصا للعلماء وأصحاب الفنون، ويعامل الفقير والمحروم بإكرام وسخاء، لُقب بالغازي هونكار، وكان محبوبا جدا من شعبه.
أمضى طفولته وفتوته في بورصة حيث درس على يد العلماء في مدراس المدينة، وأمضى كافة سني عمره في الجهاد، في ساحات الوغى أو مناطق الحدود، لكنه على رغم ذلك، وجد الوقت الكافي لإشادة الأبنية العظيمة والنفيسة وأعمال الفنون، وبنى المساجد والمدارس الإسلامية، ومطاعم للفقراء في بورصة.. أسس أول قصر سلطاني في مدينة أدرنة في أوروبا التي أصبحت عاصمة في عهده، حيث توسعت حدود الدولة العثمانية تحت حكمه من مساحة 95 ألف كم مربع إلى مساحة 500 ألف كم مربع


كان مراد سلطانا غازيا وقائدا عسكريا فذا درب جيشا لا يكاد يقهر، خاض بنفسه سبعا وثلاثين معركة كبرى في الأناضول والبلقان وخرج منها منتصرا، وكان دائم المحافظة على وعوده.. عامل الأرثذوكس والكاثوليك وأبناء الديانات الأخرى في الأراضي التي فتحها معاملة أفضل من معاملته لإخوانه في الدين، وهو أول سلطان عثماني قام بحصار القسطنطينية.

عندما حان وقت تسلم مراد للسلطنة وهو في السادسة والثلاثين من عمره، لم يرق ذلك لعلاء الدين أمير دولة القرمان في أنقرة، فحشد قوات الأمراء المستقلين في آسيا الصغرى وعمل على تجميعهم من أجل قتال العثمانيين.. غير أنه فوجئ بجيش مراد يحيط بمدينته أنقرة ويدخلها فاتحا مما اضطره إلى عقد صلح تنازل فيه عن المدينة، فاعترف مراد بالمقابل بعلاء الدين أميرا على بقية أملاك دولة القرمان..



تيمورلنك

في مكان آخر، في خضم الاضطرابات التي أحاطت ببلاد ما وراء النهر والهند ظهرت عبقرية عسكرية جديدة في شخص أمير قبلي صغير هو تيمور ابن توغاي، أحد شيوخ قبيلة برلاس التركية ووالي "كِش" ونواحيها، وهي منطقة قريبة من بحر آرال ونهري سيحون وجيحون وروافدهما.
ولد تيمور عام 1336م 737هـ ، يعود نسبه إلى جنكيز خان في قرية خوجة إيلغار، وهو اسم تركي يعني الحديد، ومن بين ما أُطلق عليه من أسماء اسم تيمور جوركان ومعناه صهر الملك.

نشأ تيمور نشأة لصوصية وعسكرية، بدأ حياته قاطع طريق يسرق الأغنام ويغير على القوافل التجارية، وأصيب أثناء عملية سرقة بسهم في فخذه فصار يعرج من أثر الجرح وهذا ما أضاف إلى اسمه كلمة "لنك" ومعناها الأعرج فبات يعرف منذ ذلك الوقت باسم تيمور لنك.


في مصر، صار الناصر محمد في الخامسة والعشرين عندما تولى الحكم للمرة الثالثة، وبلغت دولة المماليك البحرية في عهده ذروة عظمتها بعد أن نجحت في إرساء قواعد مملكة قوية طردت الفرنجة وهزمت المغول، فازدهرت أحوال العامة.

جانب من مسجد السلطان الناصر

وقد أقام السلطان الناصر محمد كثيرا من الأبنية والمساجد والحمامات والقناطر والترع والقنوات المائية منها مسجده في القلعة، واهتم بالعلم والعلماء..
كان قصير القامة أبيض اللون وفي عينيه حوَل وفي ساقه عرج خفيف يمشي وهو متكئ على عصا أو خادم وذلك بسبب حادث أصابه وهو صغير في الكرك بعدما دخلت شوكة في ساقه. وكان مولعا بالصيد ومغرما باقتناء الخيول الأصيلة والأحجار الكريمة لكنه لم يلبس شيئا من هذه الأحجار، فقد آثر البساطة في مظهره وملبسه.. 
وكان السلطان الناصر محمد شجاعا حازما، محبوبا من رعيته مهيبا من الأمراء حتى إنهم كانوا لا يجسرون على التفوه بكلمة واحدة في حضرته.. له دهاء وكياسة ولاتزعجه الخطوب ثابت الجأش وذو اطلاع واسع، غير أنه كان كثير التخيل والظن والشك ولهذا قتل عددا من الأمراء بعد أن اشتبه في إخلاصهم، وكان يغار على ملكه حتى من أبنائه لدرجة أنه لم يعين وليا للعهد..
عين الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار نائبا، وقلد الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري نيابة الشام، وولى أعوانه الذين آزروه مناصب تضمن له النجاح في سياساته.
في الوقت ذاته أمر محمد بالقبض على بيبرس الجاشنكير فقبض عليه قرب غزة أثناء محاولته الفرار إلى الشام وأحضر إلى مجلسه حيث أنبه وذكره بمواقفه السيئة معه يوم كان يمنع عنه الطعام والمال، ثم أمر بقتله. أما الأمير سلار فقبض عليه وسجن ومات في سجنه.
في أواخر أيامه نفى ابنه الأكبر أحمد إلى الكرك لسوء أخلاقه، ولم يكن ابنه الثاني آنوك أفضل حالا غير أنه توفي في أواخر أيام والده، ولهذا اضطر الناصر إلى تولية ابنه الثالث سيف الدين أبي بكر وتوفي عام 1340


وفي بيزنطة لم تلبث الحرب ان نشبت بوفاة اندرونيكوس الثالث عام 1341م، حيث تنافس هذه المرة على العرش الامبراطور يوحنا كانتا كوزين الذي تصرف كوصي على عرش جون الخامس، ومقابله مناوئوه السياسيون بزعامة نصيره السابق الكسيوس آبو كاسوس والبطريرك جون كاليكاس والامبراطورة الوالدة آنا سافوي التي أمسكت زمام الامور.
غير أن كانتاكوزين تمكن في النهاية من تنصيب نفسه باسم يوحنا السادس في تراقيا عام 1346م وشق طريقه إلى النصر بتأييد ودعم من العثمانيين واعتبر نفسه حاميا للوريث الشرعي يوحنا الخامس باليولوغ.
تعرضت بيزنطة خلال حكمه بين 1347 و 1354م إلى المحن والاضطرابات بشكل هائل وتفجرت الأزمات السياسية والاجتماعية، وصب الناس في مدن تراقيا ومكدونيا جام غضبهم على حكمه وأعربوا عن سخطهم من ارستقراطية الطبقة الحاكمة وأعلنوا الثورة التي وضعت نصب عينيها إسقاط حكمه وحكم طبقته، واشتد لهيبها وتركزت بؤرها في سالونيك.

كانت الحرب الأهلية الثانية أكثر تخريبا للاقتصاد من الأولى وعصف الطاعون عام 1347 بأهالي القسطنطينية وأجزاء أخرى من الامبراطورية.. بذل كانتاكوزين قصارى جهده لوقف تدهور الاقتصاد وحفظ الاستقرار وحاول لم شعث الامبراطورية المتبعثرة بأن أقطع بعضا من أبناء الأسرة الحاكمة كثيرا من الأراضي،

وسيطر ابنه عمانويل على مقاطعة مورة عام 1349م وحصل على رتبة أمير بيزنطي مطلق وحكمها حتى موته عام 1380م.

وصل الفقر إلى درجات غير مسبوقة وانعكس في شكل أبنية متهدمة وانحلال أخلاقي، وأدى إلى رهن مجوهرات التاج الملكي للبنادقة أثناء الحرب الأهلية وإعادة تقييم الذهب والعملة البيزنطية مما انعكس على قيمة عملة البندقية "الدوكا" التي ارتفعت بشكل ملحوظ. وكان من الطبيعي مع هذه التطورات أن تقع بيزنطة تحت رحمة منافسيها الأجانب، وأن يرتفع العداء لحكم كانتاكوزين، عندها اخترق العثمانيون غاليبولي على أثر زلزال مدمر واحتلوها وحصنوها عام 1354م فكان هذا جزءاً من تقدمهم في أوروبا.

هكذا بتعرض كانتا كوزين للحرب الأهلية الطاحنة طلب العون من أورخان العثماني وأرسل ابنته تيودورا لتكون زوجة ثانية له (كما أسلفنا) فساعده اورخان في الاستيلاء على سالونيك  وأرسل قوة بلغ قوامها 6000 رجل إضافة إلى 20 ألف جندي عثماني آخرين مقابل الحصول على حصن في تراقيا وأموال طائلة.. لكن محاولات كانتاكوزين جميعها لم تفلح فقامت الثورة ضده ودفعته للاعتزال في دير حيث بدأ بكتابة تاريخ عصره. فتمكن يوحنا باليولوغ من خلعه.

في الحلقة المقبلة: البلقان والصرب وعلاقتهم بالسلطان مراد

هذه السلسلة بدأت أواخر عام 2010 كفكرة لمسلسل درامي تاريخي.. وقد تحدثت بشأنها مع بعض صناع الدراما، كما تحدثت مع الشيخ وليد الابراهيم مالك مجموعة إم بي سي الذي أعجب بها وحولني إلى مدير الإنتاج الدرامي في المجموعة للتنسيق معه، وقمت بتسجيلها قانونيا باسمي.. إلا أن اندلاع الثورات العربية وتلاحق الأحداث وعملي في أخبار العربية حينها شغلني عن المتابعة، إضافة إلى أن الإسقاط التاريخي الواضح في أحداثها على منطقتنا دفعني للانتظار كي أرى نتيجة الثورات.. وبعد أن طال الزمن وخرج مسار الأحداث عن المنطق والخيال ولم يعد ممكنا التنبؤ بالنهاية، قررت نشر السلسلة على مدونتي، لكنها لا تزال تصلح قصة لمسلسل تاريخي ضخم الإنتاج فيما بعد.. يذكر أن هذه الأحداث موثقة تاريخيا وفق عدة مراجع وكتب علمية، ولا يدخل الخيال في تفاصيلها..

حقوق المادة المكتوبة محفوظة

المراجع: تاريخ الدولة العثمانية /تأليف: الميرالاي اسماعيل سرهنك
           أصول التاريخ العثماني/تأليف: أحمد عبد الرحيم مصطفي
            تاريخ الدولة العثمانية/ تأليف: د.علي حسون
          مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك/ تأليف: د.سعيد عبد الفتاح عاشور
          تاريخ الدولة البيزنطية/ تأليف: د.جوزيف نسيم يوسف
       العثمانيون والبلقان/ تأليف: د. علي حسون
       تاريخ الأيوبيين والمماليك/ تأليف: د. أحمد مختار العبادي
       تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام/ تأليف: د. محمد سهيل طقوش

       مواقع على الانترنت

No comments:

Post a Comment