Tuesday, July 21, 2015

ورطة حاتم علي!

حاتم علي

مخرج يدعوك لمتابعة أعماله من دون أن يتكلم. أعمال درامية كثيرة من إخراجه سحرتنا وتعلقنا بها، منها ثلاثية الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، والتغريبة الفلسطينية، والملك فاروق وغيرها، وحتى المسلسل المستوحى من أشعار الشيخ محمد بن راشد تميز بتقنيات ذات جودة عالية ومعالجة درامية راقية.
غير أن حاتم علي ربما يكون قد ارتكب خطأ هذا العام عندما وافق على إخراج قصة وسيناريو رافي وهبي "العراب، نادي الشرق".
تتناول القصة امبراطورية "أبو عليا" أو "المعلم" أو "نوح المنذر" كما جاء اسمه في المسلسل. عمل درامي كغيره من المسلسلات المرتبط إنتاجها بشهر رمضان وقع في فخ التطويل المطلوب لتحقيق عدد الحلقات الثلاثين. وإذا أزحنا هذا العامل جانبا باعتبار أن جميع المسلسلات الرمضانية محكومة بذات المصيبة، ونظرنا كمشاهدين إلى مضمون القصة بحد ذاتها، نجد شخصيات كثيرة متشابكة في عائلة كبيرة تتألف من أب (جمال سليمان) وزوجته أم أبنائه (سمر سامي) وستة أبناء وأبناء إخوته وزوجاتهم وأبنائهم، جميعهم يعملون ضمن امبراطورية المعلم ولصالحه، من مشاريع تجارية وعقارية ربحية، إلى مشاريع مدارس تعليم ووسائل إعلامية، إلى موظفي أمن ومخابرات أو رجال عصابات قتلة مأجورين، وغير ذلك مما تتطلبه عوامل تكامل عصابة مافيوية مرتبطة بالسلطة. وبتتابع الأحداث تظهر شخصيات جديدة فرضها عامل التطور الزمني، تتمثل في منافسين للمعلم تعمل على سحب البساط من تحته واحتكار السوق ضمن حسابات مستجدة، إضافة إلى تفرعات صورت عائلة بسيطة فقيرة رمت بها الأقدار بين أقدام هذه الحيتان. 
رافي وهبي

كل تلك الشخصيات كانت تسبح في بحر متلاطم الأمواج من الشر، بما في ذلك تفاصيل تناول الكحول بكثرة والقمار والعلاقات الجنسية المحرمة، عدا نقطة خير مضيئة واحدة تجسدت في شخصية الدكتور نورس الذي اعتقل وقبع في السجن إلى أجل غير مسمى، وكأن الكاتب أراد أن يقول إن الخير سيبقى مغيبا وسط الشر المسيطر في هذا الزمان. 

دارت الشخصيات في فلك فترة زمنية غامضة لم يحددها الكاتب وتسببت في حيرة وضياع المشاهد، فكثيرا ما ظهرت شخصية وسط الأحداث المتشابكة ودفعتنا للتساؤل عن صلتها بالعائلة ومن أين جاءت، لتتفكك خيوط ترابط العمل الدرامي المحبوكة. 
ضمن هذا الزحام كان مفروضا علينا أن نتابع سوزان، إحدى بنات المعلم، طوال المسلسل وهي تلاحق وتحاصر حبيبها المغني اللبناني وتتعرض لجميع أنواع العقوبات دون أن ترتدع، وقد استطاع المشاهد منذ اللحظات الأولى أن يفهم أن شخصية سوزان متمردة وعنيدة ومتسلطة وضائعة، لكنه كان مجبرا أن ينتظر مشاهدها المكررة وهي تقضم أظافرها حتى الحلقة الأخيرة عندما انتهت قصتها بأغنية! الحال نفسه يتكرر مع صورة صديقة الابن الأصغر جاد التي تريد أن تثبت أن لها شخصية مستقلة ومفكرة لكنها لا تستطيع التخلي عن صديقها. وكذلك مع الابنة الكبرى عليا وهي تهين زوجها في كل مناسبة، وتترك أعمالها التجارية كي تلاحق شؤون مسؤول الأمن عند أبيها لأنها كانت مغرمة به في شبابها ولم تصل إليه. وهناك الزوجة الثانية للمعلم والتي رضيت أن تتزوج في السر وتبقى مختفية عن الأنظار، وتكررت مشاهدها في السرير وهي تعبر عن حبها "الخيالي" لزوجها أو سجانها. أمثلة عديدة شبيهة رتيبة تبعث على الملل وتهوي بأسهم العمل. وربما يكون الاستثناء الوحيد الذي كسر رتابة الأحداث تمثل في شخصية دكتور الجامعة نورس ووالدته اللذين اختبأت عندهما ابنة ابو عليا الصغرى. 

وبالعودة إلى العامل الزمني فهناك عدم وضوح بشكل غير مفهوم جعل من القصة شكلا هلاميا بلا معالم. فبحسب الدلائل الواردة في الحوار يتوقع المشاهد أن الأحداث دارت في مرحلة ما بداية العقد الأول للقرن الحادي والعشرين، وهي الفترة التي تولى فيها بشار الاسد حكم سوريا وتغيرت تركيبة المخابرات ورجال المال الذين يتعامل معهم. غير أننا شاهدنا جميع تفاصيل المسلسل وكأنها تدور اليوم، بموديلات السيارات الفارهة الحديثة وديكورات القصور الفخمة والفنادق والمطاعم وأحدث الموضات في الملابس والماكياج والشعر التي ظهرت فيها الممثلات، وكذلك في صورة مدينة أبو ظبي التي لم يكتمل بناؤها بشكلها الظاهر في المسلسل قبل عام 2010. 

المخرج حاتم علي مع جمال سليمان

المعلم ابو عليا في القصة صاحب مبدأ، يحترم المجتمع، والقوانين، والأصول، ولا ندري كيف والحال كذلك كون هذه الثروة الهائلة التي شاهدناها في القصور والسيارات والخدم والأمن والبضائع والمشاريع والعقارات وغير ذلك. ورغم أنه كان يتحكم في مفاصل حساسة جدا في البلاد كما أوحى الكاتب، ورغم الذكاء الذي كان يبدو فيه، ودرايته بأدق التفاصيل التي تدور من وراء ظهره، وصلاته بالأمن والزعامة السياسية والأمنية والاقتصادية، وتحذيره لمن حوله من ردود فعل خصومه، ومعرفته بتركيبة جميع من يتعامل معهم، رغم كل ذلك، تنتهي حياته بغباء منقطع النظير ظهر في تهديده الصريح بأنه على استعداد لفتح ملفات جميع الفاسدين في حال قررت القيادة فتح ملفاته، ليسافر بعدها وحده إلى قريته وهو يحمل أوراقا مهمة، وكأنه غير واع لحقيقة أن من هددهم مستعدون لقتله ببساطة كي لا يفتضح أمرهم. حتى أننا لم نفهم ما الذي جعل قاتل أبو عليا يحمل المسدس بيده اليمنى وصينية الشاي باليسرى ليضعها بجانب الجثة ويأخذ حقيبة الملفات بدلا عنها في المشهد الأخير!

فيما يتعلق بالإخراج لم يكن واضحا لماذا لم تتحدث الشخصيات بلهجة قرى أهل الساحل وقد بين لنا الكاتب في السيناريو بوضوح أن عائلة ابو عليا جاءت من هناك. مشاهد عمليات البحث عن الابنة الصغرى المختفية من قبل رجال الأمن والكلاب البوليسية لم تكن موفقة أو محترفة، فلا الكلاب تجري ولا الأمن يجري خلفها ولا حركة الكلاب تدل على أنها تتابع رائحة شخص مفقود. ولم نفهم مثلا كيف تستطيع فتاة مدللة خضعت لعلاج عصبي ونفسي مدة طويلة أن تجري خلف سيارة وتلحق بالدكتور نورس على قدميها إلى منزله. وكان محيرا أن نرى صورة قصر الضيعة تارة فوق تلة جبل وتارة اخرى على شاطئ البحر. ناهيك عن أخطاء مونتاج في تركيب بعض المشاهد من الناحية الزمنية لتسلسل الأحداث. وعن ضعف في الأداء هيمن على بعض المشاهد التي كان من المفترض أن تكون مؤثرة مثل مشهد باسم ياخور آخر المسلسل عندما كان يتحدث إليه ابنه عن الخوف.



إشارة المسلسل

فنيا أبدع إياد الريماوي في التأليف الموسيقي وتوزيع الشارة الموسيقية، وكذلك ابتكر فنانو الغرافيكس شكلا جديدا لمقدمة المسلسل. كما بقي عمالقة التمثيل منى واصف وجمال سليمان وسمر سامي متربعين على عروشهم رغم أنهم بذلوا مجهودا مضاعفا كي يعطوا قيمة حقيقية لأدوارهم المرسومة في السيناريو. 

قد يخرج المشاهد بانطباع حاولت القصة تصويره، بأن كل ما يحكم المجتمع والبلاد هو عبارة عن عصابات مافيا متنافسة على السلطة والمال، غير أن السيناريو افتقر إلى العمق، وبالتالي لم يقدم شيئا جديدا أو صادما أو مؤثرا، وبقي في المنطقة الرمادية التي ترضي جميع الأطراف المنقسمين هذه الأيام. أما المعالجة فجاءت على مبدأ: ليس بالإمكان أفضل مما كان، والجود من الموجود.
ميساء آق بيق

Friday, July 17, 2015

عن مذكرات فاتن حمامة
مقالي المنشور على مدونة الصديق الناقد السينمائي محمد رضا

هذا هو لقبها الذي انطبع في ذاكرتنا، سيدة الشاشة العربية، الفنانة التي رافقت الوعي السينمائي لجيلنا في بداية تعرفنا على الفن السابع، فاتن حمامة التي شاءت الصدف أن تدخل استوديوهات السينما وهي لم تكمل عامها العاشر بعد، لتتملكها حالة عشق أزلية بعد ذلك لكل ما يتعلق بالفن.

تربعت على عرش البطولة والنجومية ردحا من الزمن قبل أن تختطفها الدراما التلفزيونية في مسلسلين حققا شهرة واسعة بعدها توقفت تماما عن التمثيل منذ العام 2000 حتى وفاتها هذا العام.
الفترة التي اشتهرت فيها فاتن حمامة وصارت نجمة يشار إليها بالبنان كانت فترة ذهبية في تاريخ السينما المصرية، ولم يبق نجم عشقته فتيات جيله لم يمثل أمامها، من عمر الشريف بطبيعة الحال كونها ارتبطت به فترة من الزمن، إلى رشدي أباظة وأحمد مظهر وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وحسن يوسف وأحمد رمزي وقبلهم يوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.. بل إنها في فترة متقدمة من عملها الفني صار وجود ممثل جديد أمامها يفتح له آفاق الشهرة والمجد.
من هذا المنطلق تصبح تفاصيل حياتها مثار اهتمام للكثيرين ممن أحبوها وفتحوا أعينهم على فنها، وهذا ما تنبهت له صحيفة عريقة مثل "الشرق الأوسط" فقررت، بالتعاون مع دار الأهرام المصرية، ما أطلق عليه "مذكرات فاتن حمامة"، حيث كتب الصحفي السيد الحراني مقتطفات من حياتها بشكل متسلسل منذ أن التقطها المخرج محمد كريم وهي طفلة بتشجيع من والدها إلى أن انفصلت عن النجم عمر الشريف.
ما يلفت النظر في هذه المذكرات أنها كانت منقولة شفهيا بالأساس، حيث يكتب الحراني أنه تمكن بعد محاولات كثيرة من إقناع فاتن حمامة بأن تسرد له مشوارها الفني، فكان أن وافقت وحكت له بعض محطات حياتها ومن ثم قام هو بنقلها وتدوينها ونشرها. وبمتابعة الحلقات الثماني يصاب القارئ النهم والمتشوق للاطلاع على رحلة حياة فاتن حمامة بخيبة أمل، إذ إن المذكرات لم ترو عطشه للمعرفة ولم تعطه أكثر مما كان يعرفه. نقل الكاتب أحداثا عامة ضمن عناوين عريضة يعرفها جميع متابعي المجلات الفنية والاجتماعية، وجاءت صورة فاتن حمامة في المذكرات مطابقة لصورتها في أدوارها الفنية التي دارت حول المرأة البريئة أو الضحية أو المضحية أو المثالية أو المتفانية والمثالية المعطاءة، فرآها القارئ فنانة متفانية جدا في عملها الفني، وإنسانة عاقلة متزنة تحسن الاختيار في كل ما يختص بحياتها وخصوصا في الحب والزواج، وأما حنونة يحتل أبناؤها تفكيرها، وإبنة تحترم وتنفذ توصيات وتعليمات والدها، وكذلك كتلميذة وطالبة متفوقة ومتميزة في مدرستها. لا شك أن هذا الكلام في أجزاء كثيرة منه صحيح، لكننا رغم  كل ذلك استطعنا أن نكتشف، من دون أن تصرح هي بشكل واضح، استسلامها المبكر جدا لأضواء الشهرة لتصبح شخصية تعودت أن يحيط بها المعجبون والمهتمون من كل جانب إلى مرحلة جعلتها لا تقبل المنافسة أو التنازل عن أي تفصيل صغير يتعلق بها وتكون بعد ذلك أقرب إلى امرأة متسلطة.
نقرأ عن سرعة عقد قرانها الأول على عز الدين ذو الفقار ولا نعرف الظروف التي صاحبت ذلك إلا بشكل عام وبعناوين عريضة، وينسحب الحال ذاته على طلاقها منه، حيث نمر على قصص خاطفة عن وجود امرأة أخرى في حياته ثم حزنه وغضبه لقرارها الانفصال عنه، كما نقرأ عن قصتها مع عمر الشريف أمورا كانت معروفة في التحقيقات الصحفية من دون أن يجذبنا أي سر ينتظر قارئ المذكرات الشخصية معرفته، ولا نقرأ شيئا عن زواجها الثالث إطلاقا، ولا عن علاقتها بأبنائها بعد أن كبروا وشقوا طريقهم في الحياة.
ربما تكون فاتن حمامة حرصت على تنحية حياتها الخاصة جانبا، وحاولت عدم التحدث بشكل سلبي عن زوجها الأول احتراما له كونه صار في ذمة الله، وربما حاولت أن لا تكشف أسرارا لا تريد لأبنائها أن يعرفوها، وربما كان الكاتب هو من آثر عدم نقل كل ما سمعه وإن كنت أستبعد هذا، وربما كانت أحاديث فاتن حمامة إلى الكاتب السيد الحراني قديمة لكن نشرها جاء الآن، غير أن كل ما ذكر لا يمنع من التوسع في تفاصيل كانت خافية على جمهور كان ينتظر أكثر مما قرأه، وحقيقة أنها كانت مجتهدة ومحبة لفنها وأسرتها لا يلغي كونها ككل البشر إنسانة لها أخطاء لم يظهر لنا منها شيئا في المذكرات.
يتكرر الأمر ذاته عند الحديث عن تفاصيل حياتها العملية. إذ إن قصة الدعوى القضائية التي رفعتها ماجدة خير الله مثلا، وهي كاتبة مسلسل "وجه القمر" المسلسل الأخير الذي مثلت فيه فاتن حمامة في حياتها، لم يتم التطرق إليها أو الخوض في تفاصيل إشكالاتها أو محاولة الدفاع عن الاتهامات التي طالت فاتن حمامة من خلال هذه القضية، كما لم يتم التحدث عن العلامة السينمائية الفاصلة في حياتها عند أدائها دور البطولة في قصة طه حسين "دعاء الكروان".
أما حكايتها مع المخابرات المصرية في عهد عبد الناصر وهروبها من مصر نحو خمسة عشر عاما فلم يتم التطرق إليها لا من بعيد ولا من قريب.
أنواع المذكرات الشخصية تختلف وتنقسم إلى عدة أشكال، في الغرب هناك مذكرات السياسيين التي تبدو أشبه بالدعاية أو الدفاع عن مواقف سابقة ونادرا ما تتطرق إلى أخطاء فادحة، وهناك مذكرات شخصيات أقل شهرة وهذه تكون أكثر تفصيلا ولا يهتم أصحابها كثيرا بالصورة التي سيشكلها لهم القارئ في ذهنه، وهناك مذكرات فضائحية وتكون غالبا بغرض البيع وتحقيق الربح، وأكثر ما يجذب القراء عادة هو مذكرات نجوم السينما التي تحفل حياتهم بالتجارب والعلاقات والرحلات والمغامرات.
في بلادنا حيث تتحكم في ذهنيات شعوبنا الشرقية ثقافات العيب والحرام والتقاليد والأعراف، ويحاول كل منا أن يبدو في صورة أقرب إلى صورة القديس، قلما تجد المذكرات الشخصية طريقها إلى النشر إلا في دعايات موجهة. يبدو الأمر طبيعيا إذن عندما تكون صورة مذكرات فنانة محبوبة لها تاريخها، صورة لماعة براقة وكأنها فيلم رومانسي خيالي طويل. غير أني شخصيا في هذه ال حال لا أرى في ما نشر على صفحات الأهرام والشرق الأوسط مذكرات، بل تحقيقا صحفيا طويلا على حلقات ربما هدف الكاتب من ورائه تحقيق مكافأة مالية تساعده في حياته. وتحقيق مكافأة على عمل صحفي ليس عيبا بل هو أمر مشروع، شرط أن يحقق الغاية من ورائه، وهي التوسع في نشر المعرفة ضمن الموضوع المطروح.
http://shadowsandphantoms.blogspot.de/p/force-majeure.html

Tuesday, June 23, 2015

السينما... الخيال والواقع

طلب مني صديقي العزيز الناقد السينمائي محمد رضا أن أكتب مادة ترتبط بالسينما كي ينشرها على مدونته، إذ إن علاقة حب تربطني بالسينما منذ الأزل. كانت مفاجأة سارة جدا أعطتني فرصة لخطف استراحة من أخبار الأسى والحزن في بلدي سوريا. 
هنا نص المادة لمن يرغب مع رابط مدونة العزيز محمد رضا

http://shadowsandphantoms.blogspot.de/p/force-majeure.html

كنت في نيويورك عندما وجدت نفسي ألوذ بالفرار من شوارعها الصاخبة فترة من الوقت بقرار التوجه إلى دار السينما. لم أشأ أن يطول ابتعادي عن هوايتي المفضلة حتى وأنا في أمريكا.
لم يكن قد مضى وقت طويل على نزول فيلم "المنتقمون" أو The Avengers إلى الصالات، وكانت قاعة السينما بطبيعة الحال مليئة بالمشاهدين على رغم عدد عروض يومية كبير بواقع عرض كل ساعة.
كنت أعرف أني لن أشاهد قصة مشوقة أو غرامية أو فيها فلسفة أو تحتاج إلى تفكير وتأمل من نمط الكتب الأكثر مبيعا وما إلى ذلك،  وأني مقبلة على مشاهدة فيلم خيالي مليء بالحركة والمؤثرات الصوتية والبصرية والغرافيكس والخدع السينمائية غير القابلة للتصديق على أرض الواقع والتي صارت هوليوود مغرمة بها في الفترة الأخيرة، ولكني بكل الأحوال حجزت تذكرتي إلى الفيلم مدفوعة بفضول غامض، أو ربما كنت أبحث عن وسيلة مختلفة لقضاء الوقت.
من المحتمل أن تكون طبيعتي الصحفية واطلاعي الدائم على ما يحدث في هذا العالم دفعاني كي أغوص في ما وراء قصة الفيلم، متجهة إلى فكرة أقرب إلى الطفولية، وانتقلت من واقع مشاهدة مجرد فيلم إلى عالم الخيال الذي أرادنا المخرج أن نعيش بين جنباته، وتحولت إلى طائر يطوف في سماء القصص الخرافية وحكايا الأطفال الملونة والمليئة بمبالغات وأفكار يضحك المرء من مبالغاتها. في النهاية، أليس هذا ما أرادنا صانعو الفيلم أن نعيشه؟!
كان جمهور المشاهدين يقابل أي مشهد قصد فيه المخرج التأثير عاطفيا عليهم بالضحك والسخرية، ربما لأنهم أرادوا التسلية والاستمتاع اللحظي فقط، وهذا بطبيعة الحال ما أنتج الفيلم من أجله. غير أني بدأت أتساءل: لماذا كثرت في العقود الأخيرة أفلام هوليوود التي تصور قصص أبطال أقوياء خارقين يصارعون بشراسة، ويقفون في مواجهة شرور تتفنن وسائلها وطرقها في ابتكار آلات حديثة وروبوتات معقدة وذكية مبرمجة على أعلى المستويات التي آلت إليها علوم الكمبيوتر، وذلك بهدف تدمير العالم أو لتحقيق مصلحة فردية؟ 
عاد سوبرمان وسبايدرمان (الرجل العنكبوت)، ولا يزال باتمان (الرجل الوطواط) يحظى بالاهتمام، وجاء بعدهم بقليل آيرونمان (الرجل الحديدي) و(ثور Thor)، وبالترافق معهم جاء (كابتن أمريكا) الأول والثاني والثالث وغير ذلك.
كثيرا ما استبقت هوليوود بسيناريوهاتها أحداثا خيالية وجدت طريقها على أرض الواقع، 
وربما يحتاج عالمنا المعاصر فعلا إلى أبطال غير عاديين، قدراتهم تتجاوز القدرات الإنسانية الطبيعية كي يستطيعوا في المقابل مقارعة رموز الشر ومساحاته التي نرى ونسمع ونقرأ عنها في نشرات الأخبار. المشكلة في أيامنا هي أن الشر لم يعد كما في السابق: رجل أو مجموعة رجال يحملون أسلحة نارية ويدخلون في مبارزات، أو عصابة تعتدي على منزل أو مبنى وتسرق وربما تقتل ثم تهرب، أو محتال يخترع كذبة كبيرة ويحقق مبلغا كبيرا بطريقة النصب. بالطبع كل ذلك لا يزال موجودا، لكن العصر الحالي أضاف تقنيات هائلة وضخمة إلى الأسلحة وجعل منها أجهزة مرعبة صنعت من خلال تطور غير مسبوق حدث خلال السنوات السبعين الأخيرة، كما أن المحتالين والمجرمين صاروا غير مرئيين، يختبئون خلف ستائر من الغموض والصفقات الكبرى ويدفعون موظفين لديهم للقيام إما بالمهمات القذرة أو بترتيب الأجواء اللازمة لتحقيق الأهداف. بات خوف الإنسان اليوم مضاعفا، خوف من قفزات نوعية في عالم التقنية، وخوف من أن ينقلب السحر على الساحر، وأن تتحول الأجهزة الكمبيوترية المتطورة جدا إلى كائن مفكر ينقلب ضد مخترعه كما حدث في قصة فرانكشتاين الخيالية القديمة. 
ماذا يفعل الإنسان إذا قررت آلات زرعت بملايين الشرائح من عشرات العلماء أن تستقل بذاتها وتشكل عالمها الخاص ضد الإنسانية، كيف يمكن لمدافع وآليات عسكرية ودبابات وبنادق تقليدية أن تقضي على دماغ؟ وماذا لو أن شخصا أو أشخاصا موجودين فعلا مستفيدون من هذا الانقلاب المفترض؟
ليس بإمكان الإنسان فعل أي شيء في واحدة من المعارك الأزلية التي تدور بين الخير والشر إذا لم تقف معه قوى خارقة تساند الخير.
ورغم أن أبطال قصص "مارفيل" الخيالية تم ابتكارهم قبل أن يحدث هذا التطور اللافت في عالم الكمبيوتر، إلا أن هوليوود وجدت في استخراج هذه الشخصيات والاستعانة بها حلا يفرض نفسه مقابل واقع اليوم، فقد كانت قواهم المتخيلة مبالغا فيها جدا تجاه الوسائل التقليدية للإجرام، أما اليوم فربما يكون وقتهم قد حان.

فيلم «المنتقمون»، كما شاهدته، لم يكتف بأبطال القصص المعروفة، بل اخترع شخصية غريبة وجديدة هي مزيج من الالترون والبرمجة الكمبيوترية وبعض الحواس الإنسانية الميالة إلى الخير وحب إنقاذ البشرية من شرور تتربص بها. ورغم أن نهاية الفيلم شهدت ابتعاد "هوكاي" و"هالك" عن المجموعة، فيما تفرغ توني ستارك (الرجل الحديدي) لمتابعة أعماله مكتفيا بتمويل مشاريع تطوير فريق "المنتقمون"، إلا أنها أوحت كذلك بأن الطريق مستمر، وبأن جمهور المشاهدين سيكون على موعد مع جزء جديد من هذه السلسلة، طالما أن هذا الجمهور يستمر في المتابعة والإقبال بشغف على أفلام هوليوود التي تغوص في عالم الأحلام، والمصنفة في خانة "الساينس فيكشن" أو الخيال العلمي

Monday, June 15, 2015


نحن السنّة!


عنوان صادم؟! لكنه واقع اليوم!

لم يسبق أن صرخ أبناء المذهب السني يطالبون بحقوق ترتبط بمذهبهم الديني مقابل مذاهب الآخرين الدينية. إذ إن خلاف علي ومعاوية كان سياسيا، وخلاف الحسين ويزيد كان سياسيا، وقتال صلاح الدين للصليبيين كان على خلفية احتلال ومجازر، وقتال المماليك للتتار كان ايضا على خلفية مجازر واحتلال. مقاومة الأفغان للاتحاد السوفياتي كانت ضد احتلال، ومقاومة الشيشان لروسيا كانت تعود إلى مظالم مدنية (وإن كانت مقاومة الأفغان والشيشان تحولت إلى تطرف نتيجة قسوة وإجرام الروس)، وحمل البوسنيين للسلاح جاء نتيجة مذابح الصرب تجاههم بعد أن تم تهميشهم وحرمانهم من حقوق المواطنة. في المقابل يعاني المسلمون السنة ظلما وتطهيرا في مناطق في الصين، وفي ميانمار (بورما)، وفي دول أفريقية عدة، وفي إيران (على قلتهم)، والآن في العراق يحملون على كواهلهم ذنوب صدام حسين ويعاقبون عليها إلى أجيال أبناء أبنائهم، ويذبحون بصمت ويفرون من بلادهم وأراضيهم بصمت.

كان السنة دائما مطمئنين في بلدانهم المختلفة، ولم يشكل لهم وجود طوائف أخرى معهم أي مشكلة لأن الأغلبية عادة لا تخشى على وجودها وحقوقها، ولأن من تعاليم المذهب السني حسن الظن بالناس، وفي الواقع هذا هو الخطأ الذي أصابهم في مقتل. فتبعا لاطمئنانهم وارتكانهم إلى عددهم الكبير الذي يتجاوز المليار إنسان لم يبحثوا عن مرجعية يحتكمون إليها ويعودون إليها في أمورهم، ولم ينتظمون سياسيا تحت مظلة واحدة، خصوصا وأنهم ينتمون إلى مختلف الأعراق والألوان ويتحدثون بكثير من اللغات ويترعرعون في بيئات متباينة. ولم تكن منظمة التعاون الإسلامي أكثر من واجهة فاسدة مشرذمة لا تهتم بالمصلحة العامة، بل ترهن أمرها وشؤونها إلى المهيمنين على الخط السياسي في العالم، شأنها في ذلك شأن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرها.

هذا التقصير الشديد هو ما جعل بقية المذاهب بل والطوائف والأديان المختلفة تتفوق على أتباع المذهب السني، فالآخرون يتوحدون تحت قيادة واحدة وراية واحدة كل حسب انتمائه ويسيرون خلف قياداتهم، حتى في حالة أديان كالهندوسية والبوذية والتي تصل أعداد أتباعها إلى مئات الملايين، ولا داعي لذكر أتباع الديانة اليهودية بالطبع، وجميعهم يتلقون الرعاية والحماية من قوى الاستعمار الجديد.
وقد جاءت شرارة ما يحدث في سوريا في ظل هيمنة طائفة معينة على مقدرات البلد وشؤون الحكم لفترة طويلة ومن ثم تنفيذ عمليات إبادة جماعية شاملة في مذابح بشعة تقشعر لها الأبدان، لتؤجج نيرانا تضيء العتمة وتفضح المستور.

ليس في الأمر سر، ولا هو جديد أن السوريين بجميع شرائحهم انتفضوا في عام 2011 طلبا للحرية والعدالة وحقوق المواطنة. وهي مطالب مشروعة في أي مكان في العالم وفي أي شرعة ومنهاج. غير أن العصابة التي كانت تحتجز البلاد في الأسر أبت إلا أن تنكل في الثورة الإنسانية وأن تنفخ في عنصر الطائفية البغيض من خلال المذابح والقتل والفيديوهات والتعذيب في السجون، حتى انتشر التطرف والحقد والغل في قلب الضحية، واختفت مطالب الحرية والعدالة والكرامة لحساب الاصطفافات المذهبية والطائفية.
خلال أكثر من أربع سنوات توالى سقوط الضحايا بأرقام مذهلة، أكثرهم ينتمون إلى الأغلبية السنية في سوريا، توقف خلال هذه المدة سياسيو العالم الواحد تلو الآخر عن الشجب والاستنكار والإدانة لأي مذبحة جديدة أو عملية وحشية توقع قتلى، غير أن هؤلاء السياسيين أنفسهم كانوا يسارعون بالصراخ والاستنكار عندما تقع حوادث خاطفة يقع خلالها عدد من الضحايا التابعين لمذاهب أخرى كالإيزيديين أوالدروز أوالشيعة.

بالطبع غني عن القول إن قتل أي بريء مهما كان انتماؤه ودينه أمر مرفوض بشكل قاطع، وتنهى عنه الشرائع والقوانين في كل زمان ومكان، لكن من العهر أن يستفيق العالم على صراخ ضحية غير سنية ثم يعود إلى النوم بينما يطرب لسماع آهات المعذبين والضحايا من السنة في سوريا وكذلك العراق.
من هذا المنطلق وتحت هذه الظروف نصرخ نحن السنة الذين يغرز العالم سكاكينه في أجسادنا.
من هذا المنطلق نحمل هذا العالم المسؤولية الكاملة عن ظهور تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش تستند في دعواتها إلى ما يعانيه السنة من ظلم وجور وطغيان، ثم تتابع تنكيلها بالمعتدلين من أبناء السنة أنفسهم.
من هذا المنطلق نطالب نحن السنة بضمانات لسلامتنا وحقوقنا الإنسانية، ولسنا نحن من يطالبه العالم بتقديم ضمانات لحفظ سلامة الآخرين، فالآخرون (من طوائف ومذاهب ومتطرفين) هم من يذبحون السنة وليس العكس، والآخرون هم من يطمئنون لحماية العالم لهم ولوجودهم، وليس السنة. إلا إذا كان العالم بأسره يستهدف أبناء المذهب السني تحديدا دون غيرهم!

Saturday, May 23, 2015



الفارق بين الأسد الأب والأسد الابن

مقال لافت كتبه "خير الله خير الله" في جريدة الرأي، أخطر ما فيه أنه يوضح كيف يأخذ بشار الأسد سوريا معه إلى الهاوية بتنفيذه تهديداته الشهيرة وأهمها "الأسد أو نحرق البلد" وما كرره في مقابلاته وخطاباته من أن سقوطه سيأخذ البلد إلى المجهول وسيحرق المنطقة وغير ذلك.
إن استمرار بشار الأسد في الحكم رغم المؤشرات الواضحة على نهاية حكمه، وإصراره على تخريب سوريا بشكل كامل قبل رحيله يدل بما لا يقبل الشك على أن سوريا لم تعن له شيئا يوما ما، ولم يشعر يوما بالانتماء إلى وطن بقدر ما كان يحقق مصالحه ومصالح عائلته المتمثلة في تكديس المليارات من الدولارات واستعباد الشعب.
التالي هو نص المقال والرابط الأصلي له:

ما الفارق بين حافظ الأسد وبشّار الأسد؟ لماذا صار مطروحا في الأيّام الأخيرة من حكم بشّار سؤال مرتبط بالمستقبل الذي ينتظر سورية بعد سقوط النظام الذي عاش، إلى الآن، خمسة وأربعين عاماً وقد يعيش أكثر؟ قد يعيش هذا النظام أشهرا أخرى. من الصعب التكهن بموعد النهاية، على الرغم من أنّ النظام انتهى.

مرّة أخرى، الثابت أن النظام انتهى. لكن الثابت أيضا أن سورية لن تبقى موحدة، ذلك أن ما كان يمكن أن يكون دولة ناجحة في المنطقة، تحوّل إلى دولة فاشلة بكلّ المقاييس.

ما نشهده اليوم ليس نهاية سورية بمقدار ما أنّه نهاية للشرق الأوسط الذي عرفناه والذي كانت سورية لاعبا أساسيا فيه. كانت لاعبا أساسيا. لكنّها كانت في الحقيقة لاعبا سلبيا نظرا إلى أن النظام فيها كان نظاما عاجزا في مجال البناء. لم يكن قادرا سوى على ممارسة لعبة الابتزاز، في غياب قدرته على الحرب أو على السلام.

في الشرق الأوسط الذي عرفناه، كانت سورية في كلّ وقت من الأوقات الرجل المريض فيه، خصوصا أنه كانت دائما لدى المسؤولين السوريين عقدة العظمة ووهم الدور الإقليمي الذي كان يسكن العقول المريضة لزعماء سورية، من حسني الزعيم... إلى حافظ الأسد وصولا إلى خليفته الذي سلّم سورية إلى ايران.

ما فعله النظام، الذي لم يدرك أنّ دوره انتهى منذ فترة طويلة، أي يوم سقوط جدار برلين في خريف العام 1989، كان العمل على خطيّن. الأوّل التمديد لنفسه عبر العثور على شريان حياة جديد، والآخر القضاء على الكيان السوري.

عرف حافظ الأسد كيف يجد شريان حياة جديد لنظامه بعد انتهاء الحرب الباردة. في المقابل، عرف بشّار الأسد كيف يجعل الكيان السوري ينتهي في اليوم الذي ينتهي فيه النظام. يقول صديق سوري إن المكان الوحيد الذي كان بشّار الأسد صادقا فيه هو عندما قال إن نهاية النظام تعني نهاية سورية. قال عبارة «الأسد أو لا أحد».

لكلّ من الأسد الأب والأسد الابن طريقته الخاصة في التعبير عن عبقريته بالمعنى السلبي للكلمة. في العام 1990، استغلّ حافظ الأسد الحرب التي شنّها غريمه صدّام حسين على الكويت إلى أبعد حد، حيث وجد في الحرب على الكويت فرصة لا تعوّض، فانضم إلى حرب تحرير الكويت التي قادها الجنرال الأميركي شوارزكوف.

استفاد حافظ الأسد طويلا من غباء البعثي الآخر الذي كان يحكم العراق بطريقة لا تختلف في شيء عن حكم الأسد الأب لسورية. في العراق، كان هناك نظام عائلي ـ بعثي، وفي سورية كان هناك نظام علوي يستخدم البعث غطاء. ما لبث النظام السوري في عهد الأسد الابن أن تحوّل إلى نظام عائلي ـ بعثي على طريقة ما كان عليه نظام صدّام، وذلك عندما اختزل بشّار الأسد العلويين بثلاث عائلات هي عائلته وعائلة مخلوف وعائلة شاليش مع متفرعات عن هذه العائلات تُرك لها شيء من فتات السلطة والثروة مع بعض العائلات السنّية التي كانت تشكل جزءا من الديكور الخارجي للنظام.

التقط حافظ الأسد فرصة الحاجة الأميركية إلى مشاركة عربية في حرب تحرير الكويت من الظلم الذي لحق بها. التحق بالتحالف الدولي الذي خاض حرب إخراج صدّام من الكويت. أعاد بذلك العلاقة مع الأميركيين الذين جدّدوا له الوصاية على لبنان في مرحلة مع بعد اتفاق الطائف الذي وقّع في خريف العام 1989. استفاد الأسد الأب أيضا من غبيّ آخر، لبناني هذه المرّة، اسمه ميشال عون كان يحتلّ قصر بعبدا. وفّر ميشال عون للأسد فرصة دخول القصر الرئاسي ووزارة الدفاع اللبنانية القريبة منه وذلك للمرّة الأولى منذ حصول لبنان على استقلاله.

عرف حافظ الأسد كيف يلعب أوراقه. عرف خصوصا كيف يكون حاجة أميركية وعربية وإسرائيلية في الوقت ذاته. لم يكن لدى إسرائيل في أي يوم من الأيام اعتراض على بقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة وجرحا دائم النزيف.

ما يجمع بين الأسد الأب والأسد الابن هي تلك الحاجة الدائمة إلى الهروب إلى الخارج السوري. استند حافظ الأسد في هروبه إلى توازنات معيّنة، من بينها علاقاته العربية التي ترافقت مع علاقة عميقة مع إيران. عرف كيف يخفي الطابع المذهبي لتلك العلاقة وتغليفها بشعارات ذات بعد عربي. أمّا بشّار الأسد، المعجب بـ«حزب الله» والجاهل لحقيقة مثل هذا النوع من الأحزاب المذهبية وطبيعة دورها، فقد غرق منذ البداية في فخّ العلاقة مع ايران. انتهى بكلّ بساطة أسير تلك العلاقة في بلد لا يمكن أن يقبل بالهيمنة الإيرانية بأي شكل.

بعيدا عن التوازنات الطائفية والمذهبية في سورية، وصل النظام إلى مرحلة لم تعد فيها فائدة من لعبة الهروب إلى الخارج. حاول بشّار منذ البداية ممارسة هذه اللعبة. أرسل، في مرحلة ما بعد اندلاع ثورة الشعب السوري قبل ما يزيد على أربع سنوات، لبنانيين وفلسطينيين من المساكين، إلى جنوب لبنان وإلى الجولان مهدّدا بفتح جبهة جديدة. لكنّ كلّ ذلك لم ينفع في شيء.

أراد حتّى الهروب إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنّه اكتشف في النهاية أنّ ساعة الحقيقة دقّت للنظام ولسورية في الوقت ذاته. كان في استطاعته الخروج باكرا من السلطة، لعلّ في الإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية. اختار للأسف الشديد تجاهل الواقع. عاش في عالم خاص به. عاش داخل فقاعة عزلته عن الواقع السوري وعن الواقعين العربي والعالمي. انفجرت الفقّاعة... انفجرت معها سورية.

لم يعد في الإمكان في الوقت الحاضر سوى المقارنة بين الوضعين السوري والليبي. تمثّل ليبيا، حيث لم يعد في الإمكان إعادة تركيب الدولة ومؤسساتها، المستقبل السوري. عرف الأسد الأب كيف يجدد طريقة للمدّ بحياة النظام. فشل الأسد الابن في ذلك. لن يذهب قبل أن تذهب معه سورية...إلى حيث ذهبت ليبيا معمّر القذّافي!

انتقم القذّافي من ليبيا والليبيين. لم يترك لهم بلدا يمكن حكمه بعدما مزق المجتمع الليبي وقضى على النسيج الاجتماعي في البلد ودمّر كلّ مؤسسات الدولة بطريقة منهجية.

هل سيبقى شيء من سورية يصلح لإعادة بناء دولة أو دويلات، أم كلّ شيء بات مهيّأً لحروب لا نهاية لها تمكّن بشار الأسد من القول إنّه انتقم من الشعب السوري الذي ذنبه الوحيد ارتكابه جريمة البحث عن بعض من كرامة.

http://www.alraimedia.com/Articles.aspx?id=590441

Friday, May 8, 2015


الفرق بين ديغول والحكام العرب

كان ذلك بعد المظاهرات التي عَمَّت شوارع باريس وبعض فرنسا، في ما سُمي يومَها "أحداث مايو/أَيار1968".
وفي 24 من ذلك الأَيّار، أعلن رئيس الجمهورية الجنرال شارل ديغول إجراء استفتاءٍ في الشهر التالي حول إصلاحات جامعية واجتماعية واقتصادية.
في الثلاثين من الشهر نفسه عاد فأَجّل موعد الاستفتاء بناءً على اقتراح رئيس وزرائه جورج بومبيدو، لمصادفة الفترة مع الانتخابات النيابية المقبلة.
وجرت الانتخابات وتتالت الانهماكات السياسية، إلى أن عَيَّنَ الجنرال ديغول موعد الاستفتاء في 27 أبريل/نيسان 1969، حول إصلاحات في مجلس النواب وبعض التشريعات الأُخرى، وَفْقاً للمادة الحادية عشرة من الدستور الفرنسي.   
وصرّح ديغول أنه، إن لمْ يَنَلْ موافقة الأكثرية من الشعب، سيستقيلُ من منصِبِه.
ظنَّ الكثيرون يومها أنّ ديغول، بتصريحه ذاك، يلتَمِس العاطفة الشعبية لقبول اقتراحاته الإصلاحية من الشعب الذي كان يرى في ديغول مُنقِذَ فرنسا، وباني فرنسا الحديثة، ومؤسسَ الجمهورية الخامسة فيها.
في اليوم التالي، 28 أبريل/نيسان، كانت نتيجة الاستفتاء: 52،41% قالوا  "لا" ، و47،59% قالوا  "نعم" .





حبسَت فرنسا أنفاسَها لترى ما سيكون قرار مُنقِذ فرنسا شارل ديغول.
وبعد عشر دقائق من منتصف الليل، صدَرَ عن "كولومبيه لي دوزيغليزبيانٌ موجَزٌ من سطرين، سمعَهُ الفرنسيون والعالم، جاء فيه حرفيـــــاً:-    
 "أُعلِنُ توَقُّفي عن مُمارسة مهامي رئيساً للجمهوريةيصبحُ هذا القرار نافذاً عند ظهر اليوم: 29 أبريل/نيسان 1969"... 

كان ذلك صوتَ الجنرال شارل ديغول.


وسادَ صمتٌ وَوُجومٌ في فرنســـا والعالــــــم.
لم يبك الشعب ولم يخرج إلى الشوارع يستعطف الرئيس كي يبقى، ولا غير ديغول رأيه قائلا إنه سيبقى تلبية لمطالب شريحة من الشعب، لم يكن في الأمر خداع أو عواطف، فقط قالت صناديق الاقتراع كلمتها وانتهى الأمر.

تولّى مَهامّ الرئاسة بالوكالة رئيسُ مَجلس الشعب آلان بوهير، حيث هيأ لانتخابات رئاسية أوصلت جورج بومبيدو إلى الإيليزية خلفاً لشارل ديغول الذي حَكَمَ فرنسا عَشرَ سنواتٍ ذهبية، ولم يورّث للرئاسة ابناً ولا صهراً ولا فرداً من عائلته أو حزبه أو مناصريه، ولَم يسعَ إلى التجديد ولا إلى التمديــــد.
انسحب الكبير شارل ديغول إلى داره في "كولومبيه لي دوزيغليز"، يُمضي سنته الأخيرة من حياته في سكينةٍ وهدوء.
وتُوُفِّيَ في السنة التالية (مساءً 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1970) تاركاً وَصِيَّتَين:
الأُولى ألاّ يحضرَ جنازتَهُ رؤساء ولا وزراء ولا سياسيون،
والأُخرى ألاّ يُحفَرَ على قبره إلاّ ما يلي: "شارل ديغول 1890-1970".

كانت هذه نبذةً عن عظيمٍ من العالم أنقذَ بلاده حتى إذا قالت له بلاده "لا"، انْحنى لِمجد فرنسا وانسحب إلى عُزلته احتراماً لِمشيئة الشعب.
فلو كان الاستفتاء بين مُمثّلي الشعب، لربما كانت اختلفَت النتيجة، لأن مُمثّلي الشعب قد يُدْلون بصوتهم تحت ضَغْطٍ أو قَسْرٍ أو مصلحة، فيَخونُون حاكِماً أو يَطعَنُون حليفاً... لكنّ ديغول كان يَعلَم أنّ مشيئةَ الشعب من مشيئة الله، وأنّ الحاكم العادل هو الذي يَنصاعُ إلى مشيئة الشعب إن كانت مُحِقّةً، وأنه، ببقائه القَسريّ في الحُكْم، يقهر غاصِباً تلك المشيئة!
نسخة منه الى:
كــافة الـــزعمــاء العــرب لأتخــاذ مــا يــلزم وأعلامنــا النتيجة!




 نـــزار  قبـــاني
 وقصيـــــدة "لن أعتزل"
كلما فكرت أن أعتزل السلطة..
ينهاني ضميري..
من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟
من سيشفي بعدي الأعرج..
والأبرص..
والأعمى..
ومن يحيي عظام الميتين؟
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟
من ترى يرسل للناس المطر؟
من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟
من ترى يصلبهم فوق الشجر؟
من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟
ويموتوا كالبقر؟..
كلما فكرت أن أتركهم..
فاضت دموعي كغمــــامة..
وتوكلت على الله..
وقررت أن أركب الشعب..
من الآن الى يوم القيامة..

Sunday, April 12, 2015

دراسة عامة منقولة عن العلويين

مقال كتبته رندة حيدر عن العلويين وجدته بالصدفة ورغبت في مشاركته مع الآخرين.
ملاحظة: بعض السنوات المذكورة في المقال ليست دقيقة.

رندة حيدر
ساهمت الثورات العربية التي تجتاح دول المنطقة والتحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية والحرية، في تسليط الأضواء على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه الدول. وأعادت الثورة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ذكرى الصراع الطائفي القديم على السلطة بين الطائفة العلوية التي تنتمي اليها عائلة الأسد، وبين الأكثرية السنية التي حكمت سوريا لعقود سابقة وتعتبر نفسها اليوم مهمشة ومضطهدة من نظام الأسد.
هناك محاولة لتصوير الصراع الدائر في سوريا بأنه صراع طائفي ما بين الأقلية العلوية الحاكمة المتمثلة بنظام الأسد والحركات الأصولية التي تمثل الأكثرية السنية البلاد، وفي هذا اجتزاء لما يحدث وافتئات على الثورة وعلى أبناء الطائفة العلوية، التي يجري اليوم اختصارها بعائلة الأسد الحاكمة. من هنا الحاجة الى التعرف من كثب الى هذه الطائفة معتقداتها وأفكارها وتاريخها في المنطقة.

هل العلويون مسلمون؟
أدى الطابع السري للديانة العلوية، وعدم وفرة الكتب التي تتحدث بوضوح عنها وتشرح معتقداتها، الى صعوبة التعرف عليها، لا سيما في ظل التشكيك بحقيقة انتساب هذه الطائفة الى الإسلام. ففي حين يشدد فقهاء الطائفة العلوية، ومعهم مؤرخون وباحثون، على أن "العلويين مسلمون، إماميون، جعفريون، يعتمدون الشريعة الإسلامية عقيدة لهم ويطبقون أحكامها، وفقاً لمذهب الإمام السادس أبي عبد الله جعفر الصادق"، فإن هناك من يعتبرهم هراطقة خارجين على الإسلام، مثل ابن تيمية (1263-1328) الذي أصدر فتوى كفّرهم فيها واعتبرهم من "أصناف القرامطة الباطنية وهم أكفر من اليهود والنصارى". ومثل كل الأقليات عانى العلويون عبر تاريخهم الطويل الاضطهاد الديني من الحكام، مما دفعهم الى الانغلاق داخل مجتمعهم والانسحاب للعيش في سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوباً الى طوروس شمالاً. ويعيش القسم الأكبر من العلويين اليوم في تركيا وسوريا، كما يتوزعون في العراق وفلسطين، بالاضافة الى وجودهم في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وقديماً كان يطلق على العلويين إسم النصيرية نسبة الى محمد بن نصير (عاش حوالي 850 ميلادية) الذي يعود اليه فضل وضع أسس هذا المذهب في بغداد بوصفها طائفة انفصلت عن االشيعة. وقد عاصر ثلاثة من أئمة الشيعة، هم عبد الهادي والحسن العسكري والإمام الذي اختفى
وظلت هذه التسمية تطلق عليهم حتى السنة 1920، حين قام الفرنسيون أيام الانتداب بتغيير إسمهم الى العلويين لتمييزهم عن النصارى، أوالمسيحيين.

يتفق العلويون مع الشيعة عامة بالرواية التاريخية لمرحلة الرسول وما بعدها، لكنهم يختلفون في النظريات الدينية والتفاسير القرآنية، ويزعمون قدرتهم على معرفة الحقيقة بالتواتر عن الأئمة المعصومين. وأكثر ما يركز عليه العلويون هو العقل الذي يرمز عندهم الى الرسول. وهم مثل الشيعة يعطون مكانة كبيرة للإمام علي، لكنهم يختلفون عنهم بأن بعض غلاتهم يقدسون علياً ويرفعونه الى درجة الألوهة. وأكثر ما يختلف به العلويون عن السنة والشيعة في آن معاً هو إيمانهم بالثالوث المقدس الذي يتجلى بسحبهم في: الله – محمد – علي. مما يقربهم من فكرة الثالوث المقدس عند المسيحيين. كما يعتقد العلويون بنظرية الحلولية الإلهية، وبأن الله يتجلى في صورة الإنسان وقد تجلى في النبي محمد والإمام علي وعدد من الأئمة والصالحين والأشخاص الذي يختارهم الله من هنا ظهور شخصيات في التاريخ العلوي ادعوا النبؤة وآمنوا بالإمام المنتظر.
تقوم الديانة العلوية على الايمان بنظرية التقمص، أو التناسخ، الأمر الذي يقربهم من أبناء الطائفة الدرزية. وللعلويين موقف خاص من تطبيق أركان الإسلام الخمسة، فكونهم من أصحاب الاعتقاد بالظاهر والباطن، ويرون أن روح العبادات ليست سلوكاً خارجياً ينفذه الانسان بعناية وتكرار، وأن بواطن الأمور تمكن معرفتها من خلال الأئمة المعصومين، وأن الله يعطي هذه المعرفة لمن يشاء من عباده الذين يتصفون بالبصيرة والعقل، فهم لا يعتبرون الصيام في شهر رمضان أمراً ملزماً. أما الصلاة فلا ضرورة لإقامتها في المساجد، ويمكن أن تجري في منازل وأماكن خاصة. ويدافع العلويون عن عدم تشييدهم المساجد كونها لم تكن موجودة أيام الرسول والإمام علي، ولأن علياً قتل داخل المسجد. ولا يحّرم العلويون شرب الخمر، مما يجعلهم يشبهون، بالاضافة الى أمور أخرى، المسيحيين. وقد دفعت أوجه الشبه بين العلويين والمسيحيين المستشرق البلجيكي هنري لامنس(1862-1937) الى كتابة في بحث له بعنوان "هل العلويون مسيحيون؟" "العلويون هم من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم وادعوا أنهم مسلمون كي لا يتعرضوا للاضطهاد الديني".
وثمة تشابه آخر ما بين العلويين والدروز في سرية التعليم الديني. فبالاستناد الى رسالة الدكتوراه التي أعدتها فابريس بلانش عن الموضوع عندما يبلغ الفتى العلوي سن المراهقة يقوم والده بتعريفه على شيخ يطلعه على أسرار الدين، ويصبح هذا الشيخ الأب الروحي للتلميذ. ويدين له بالطاعة حتى الموت. لكن ليس كل أبناء الطائفة يحق لهم التعرف على ديانتهم، من هنا يقسم الناس الى قسمين: العالمون بالدين والجاهلون به.
لا يفرض العلويون الحجاب على المرأة لأنه ليس فريضة إسلامية ولكنه نوع من الحشمة المحببة. ولكن لا يحق للمرأة الاطلاع على أسرار الدين، ورغم الدور المهم الذي كانت تقوم به في مجتمع الريف فإن هذا لا يعطيها حقوقاً، وهي أقل مرتبة من الرجل.
في رأي المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1883- 1963) إن الديانة العلوية هي مزيج من الإسلام المتأثر بالديانة المسيحية والديانة الغنوصية المشرقية القديمة (تيار عقائدي ذو فلسفة حلولية نشأ في القرن الأول الميلادي وحاربته الكنيسة المسيحية) والتيارات الصوفية. كا يبرز تأثر الديانة العلوية أيضاً بالمعتقدات الفارسية القديمة. ويحتفل العلويون بعيد الميلاد والغطاس، بالاضافة الى احيائهم لعاشوراء واحتفالهم بعيدي الفطر والأضحى.

العلويون في تركيا
يعيش في تركيا اليوم ما بين 20 الى 23 مليون علوي، نحو 35 في المئة منهم من الأكراد، وهناك أيضاً علويون تركمان، ويتوزع هؤلاء في صورة خاصة في داخل الأناضول وفي غربه وبالقرب من البحر الأسود.
هناك اختلاف ما بين العلويين في تركيا والعلويين في سوريا. فالعلوية التركية تعود الى الفرقة الصوفية القزلباشية (ذوو الطاقيات الحمر) التي نشأت في القرن السادس عشر في أذربيجان وانتشرت في جنوب تركيا، ومنها نشأت الدولة الصفوية، ومن الفرقة الصوفية البكتاشية (طريقة صوفية شيعية المنشأ نسبة الى الشيخ بكتاش المتوفي السنة 1336). أما العلوية في سوريا فأقدم من ذلك بقرون عدة. لكن القاسم المشترك ما بين العلويين في تركيا وسوريا معاناتهم الكبيرة من الاضطهاد الديني أيام السطنة العثمانية. من هنا رأى العلويون في تركيا في مجيء أتاتورك الى الحكم الذي عمل على علمنة الدولة، خشبة خلاص لهم. وبدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين دخل العلويون في نسيج الدولة والمجتمع، وأخذت غالبيتهم تؤيد الأحزاب العلمانية. ولوحظ أنه منذ مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم عاد العلويون الى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية أكبر، وبدأت مطالبتهم بتمثيل أكثر عدالة في وظائف الدولة، لا سيما الحساسة منها. لكن اجمالاً يظهر العلويون باختلاف انتماءاتهم العرقية منسجمين ومندمجين داخل نسيج الدولة والمجتمع التركيين.

العلويون في سوريا
هم أقدم العلويين في المنطقة تاريخياً، ويشكلون اليوم الطائفة الأكبر في سوريا بعد السنة ويبلغ حجمهم 13 في المئة من تعداد الشعب السوري.
مرّ العلويون السوريون بمراحل طويلة من الاضطهاد أيام السلطنة العثمانية، التي لم تعترف بهم كمسلمين وفرضت عليهم الجزية بدءاً من السنة 1571، لأنهم لا يصلون في المساجد ولا يؤدون الفرائض الإسلامية، ومنعتهم عن ممارسة أي شعائر خاصة بهم. هذا الأمر أجج مشاعر الكراهية لدى العلويين ضد السنة، ودفعهم الى التخندق داخل منطقة الجبال والانغلاق على أنفسهم. وقد ثار العلويون غير مرة ضد العثمانيين في 1806 و1811 و1852. ولم يتحسن الوضع إلا مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما قام العثمانيون ببعض الإصلاحات ومنحوهم شيئاً من الاستقلال الذاتي.
شكل مجيء الانتداب الفرنسي مرحلة جديدة في تاريخ العلويين لأنه حررهم من اضطهاد العثمانيين، ولأن السلطات الفرنسية وافقت على منحهم الاستقلال الذاتي. فأعلن في تموز 1922 عن قيام الدولة العلوية في اللاذقية. وصدر قرار بالغاء الضرائب المفروضة على العلويين وانهاء عمل المحاكم السنية ونقل صلاحياتها الى قضاة علويين. وقد ساعد هذا كله في تغيير وضع العلويين بصورة كبيرة وأدى الى بداية نهضة هذه الطائفة. في المقابل تعاون هؤلاء مع السلطات الفرنسية وشاركوا في فرقها العسكرية وخدموا في جهاز الشرطة والاستخبارات. لكن هذا لم يمنع من نشوب ثورات ضد الفرنسيين، أبرزها ثورة الشيخ صالح العلي الذي أعلن العصيان على الفرنسيين
لكن مخاوف العلويين تجددت مع انتهاء الانتداب الفرنسي والاعلان عن استقلال سوريا والغاء الدولة العلوية في كانون الأول السنة 1936. وبرزت المقاومة العلوية للحكم السني في ثورة سليمان المرشد السنة 1939 و1946 وثورة ابنه 1952.
تعتبر الحقبة الزمنية ما بين 1946-1963 فترة السيطرة السنية على الحكم في سوريا، وبدء اندماج الطائفة العلوية بالدولة وصعودها. والمفارقة هنا أن تخلي العلويين عن توجهاتهم الانفصالية وانضواءهم الى الدولة شكلا بداية مرحلة نهوضهم الحقيقي.
فمنذ وصولهم الى الحكم بذل السنّة جهوداً كبيرة لدمج العلويين في كيان الدولة القومية، لاسيما ان اللاذقية كانت تشكل أهم منفذ للدولة على البحر. وقد ألغى هؤلاء الفرق العسكرية العلوية ودمجوها بالجيش الوطني. وعندما أيقن العلويون أن مصيرهم بات مربوطاً بمستقبل سوريا الجديدة بدأ سعيهم الى السلطة من خلال طريقين: الجيش وحزب البعث.

صعود الطائفة العلوية
ابتعد أبناء الطائفة السنية من الجيش لأسباب ثلاثة، هي كره النخبة السنية للحياة العسكرية، ومحاولة السياسيين تقليص دور الجيش في الحياة السياسية، وعدم قدرة أبناء الأقليات بصورة عامة على دفع بدل مالي لإعفائهم من الخدمة العسكرية، في المقابل رأى العلويون في الجيش فرصة للإرتقاء الاجتماعي وللخروج من حياة الريف الفقير والدخول في حياة المدن السورية، ناهيك عما يقدمه الجيش من حياة لائقة بالمقارنة مع ظروف حياتهم الصعبة. في السنة 1949 شكل العلويون أكثرية الجنود في الجيش وثلثي الضباط، وكان القادة العسكريون من السنة يعتقدون أنهم باحتكارهم المناصب الرفيعة في الجيش، يستطيعون السيطرة عليه. لكن الصراع على السلطة ما بين الضباط السنة والانقلابات العسكرية التي كانت تؤدي الى الغاء بعضهم البعض ساهمت بصورة كبيرة في تعزيز مواقع العلويين الذين بقوا موحدين داخل الجيش.

أدت حقبة الانقلابات العسكرية والصراعات داخل السنة في الجيش وخوفهم من الخيانات الى اعتماد بعض هؤلاء على ولاء الضباط من الأقليات في الجيش، الأمر الذي عزز من جديد موقع الضباط العلويين، بالاضافة الى أن السنة كانوا يدخلون الجيش كأفراد، اما العلويون فكانوا يدخلونه كجماعة متضامنة.
أما العامل الثاني الذي ساهم كثيراً في صعود الطائفة العلوية فهو حزب البعث الذي جذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين من الفلاحين وأهالي الأرياف الذين عانوا من التمييز وكانوا يعيشون في حال من الفقر المدقع. كما ساهمت هجرة أهل الريف الى المدن في تعزيز هذه الظاهرة، اضافة الى انتقال أبناء الريف الى المدن للدراسة. فانضم العلويون بأعداد كبيرة الى صفوف حزب البعث، لا سيما في فرع الحزب في اللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.

لعب العلويون دوراً مهماً في انقلاب آذار السنة 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به الرئيس حافظ الأسد السنة 1973، والذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم. ويذكر أن الرئيس حافظ الأسد طلب من الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان اصدار فتوى تقول ان العلويين هم من الشيعة، وذلك لإسكات المعارضين لانتخابه رئيساً للجمهورية، بحجة ان الدستور يفرض أن يكون الرئيس مسلماً. وقد أصدر الإمام هذه الفتوى في السنة 1974. يقول باتريك سيل في كتابه "الصراع على الشرق الأوسط": "اصدار هذه الفتوى أزال العقبة الأخيرة التي كانت تعترض طريق حافظ الأسد الى الرئاسة".
ويواجه النظام في سوريا اليوم أكبر تحد داخلي بدأ يزعزع سيطرته شبه المطلقة على الحياة السياسية في سوريا، وذلك في مواجهة مطالبة مكونات أخرى في المجتمع السوري بالتخلص من نظام الحزب الواحد وقيام نظام سياسي تعددي جديد يضمن اجراء انتخابات حرة تمثل بصورة حقيقية ما آال اليه المجتمع السوري اليوم وتعكس تطلعاته نحو حياة سياسية حرة وعادلة.

أرقام العلويين في الخارج
وفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي. ويقطن العدد الأكبر منهم ألمانيا حيث يبلغ عددهم 600 ألف شخص. وهناك نحو 150 ألف آخرين في فرنسا. وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً في العام الماضي بهم كطائفة دينية مستقلة، ويبلغ عدد العلويين هناك نحو 60 ألف شخص.
 
رندة حيدر

Tuesday, March 17, 2015


في ذكرى "الاندساس"!

كل عام والمندسون لا يزالون مندسين! هؤلاء الذين انطلقت بهم ثورة الحرية والكرامة في سوريا، تناقصت أعدادهم اليوم، فطوبى لهم.
أكمل المندسون عامهم الرابع منذ أن سقط أول شهيدين للثورة وخضبت دماؤهما أرض حوران المعطاء. حسام عياش ومحمود الجوابرة، لم يكونا أول من قتلتهما عصابة الأسد في سوريا، لكنهما كانا أول شهيدين تستطيع الكاميرا بالصوت والصورة توثيق سقوطهما على أيدي هذه العصابة، فلطالما قتل الأسد الأب والابن وأعوانهما أبرياء في السجون والمعتقلات والشوارع والمنازل من دون أن يتمكن أحد من توثيق ذلك إلا عبر قصص شفهية تناقلتها الألسن.

ومنذ ذلك اليوم لم يهنأ الشعب السوري بعيشة آمنة مطمئنة كريمة سالمة. منذ ذلك اليوم يدفع السوريون ثمن طموحهم للكرامة وحلمهم بالحرية. الكرامة في أن يعيشوا رجالا ونساء وأطفالا وكهولا وشيوخا عيشة إنسانية تتحقق فيها مبادئ العدل والمساواة، والحرية في قول كلمة حق عند سلطان جائر من دون خوف من قتل وملاحقة وتعذيب واغتصاب.

منذ ذلك اليوم لم تعترف المافيا الأسدية بالإنسان وبحقوقه، فكان أن وصف بشار المتعطشين لإنسانيتهم بالمندسين!

منذ ذلك اليوم تسلقت على هذه الشجرة العظيمة، شجرة الحرية والكرامة، طحالب وأعشاب سامة وضارة، مهمتها كانت أن تقتل البراعم والزهور في مهدها، وأن تحول الشجرة إلى فوضى عشوائية، فظهر على جذعها وأغصانها متفزلكون؛ وهواة سياسة ومنتفعون؛ وحملة سلاح مأجورون؛ ومدّعو صحافة وإعلام وشتّامون ونمّامون ومحطّمون للآمال؛ ومعرقلون لأي مسيرة للخير وضاربون لمصداقية أي عمل جماعي؛ وكذلك أشخاص نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة والسوريين، وآخرون بدل أن يعملوا للوطن ويخدموه أخذوا يعملون لمصالحهم الشخصية ومنافعهم، وثرثارون يدسون السم بالعسل ويشعلون الأحقاد والبغضاء في قلوب الناس ويؤلّبون الأطراف على بعضهم البعض، وطائفيون يؤججون المشاعر المذهبية والدينية على حساب الكرامة الإنسانية والحقوق العادلة.

تمكن هؤلاء الموتورين من تشتيت الانتباه وتحويل الأنظار عن جرائم مافيا دمشق، واستطاعوا بما لديهم من قوة شر أو أمراض نفسية واجتماعية أن يشغلوا مؤيدي الثورة عن هدفها الأساسي وهو التركيز على قطع رأس الأفعى، فكان أن دبت الفوضى في أوصالهم وأصبح شغلهم الشاغل كيف ينتقدون هذا ويشتمون ذاك ويستمعون إلى إشاعات ويتناقلونها كوقائع من دون التحقق من صحتها. تحولوا إلى أنانيين سوداويين لا همّ لهم سوى أنفسهم واعتقاداتهم والزاوية التي ينظرون إلى الأمور من خلالها.
تمكن الموتورون من إلهاء العاملين في مجالات الثورة إلى سبل تحقيق أرباح شخصية وتكوين ثروات على حساب الجائعين والعراة والمشردين، ومنهم من كان مشكوكا في ولائه للثورة منذ البداية فجعل من نفسه نموذجا مخزيا يشار إليه بالبنان ويقال عنه: انظروا، هذا ما أفرزته الثورة.

هكذا صار "المندسون" الأصليون الأوائل قلة، وضاع صوتهم بين ضجيج العوام والغوغائية والفساد، ناهيك عمن استهدفتهم العناصر الأسدية وأخفتهم خلف الشمس.
إنها ثورة أخلاق ومبادئ، وليست فقط ثورة ضد طغمة الأسد الفاسدة الحاقدة المجرمة، إنها الثورة التي كان يجب أن تندلع، مرآتها بدأت تعكس صورتها منذ حسام عياش ومحمود الجوابرة إلى حمزة الخطيب وثامر الشرعي ومشعل تمو وباسل شحادة وغياث مطر وحسين هرموش وأبو الفرات والشيخ أحمد الصياصنة وابراهيم القاشوش والخال غسان سلطانة والأب باولو ومي سكاف وأصالة وأسماء مشرفة أخرى كثيرة، وجميع شهداء الحق تحت براميل الموت أو صواريخ الغدر أو تعذيب المرضى الساديين لهم في المعتقلات أو بغازات الأسديين البغيضة أو بسكاكين الوحوش الشبيحة وميليشيات حزب الله أو بفعل العوامل الجوية القاسية التي ضربت مخيمات لاجئين هربوا من بطش وجور الخنازير البرية. وكذلك جنود الكاميرا الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لنقل الصورة الحقيقية. مرآة الثورة يعكسها الصابرون على إذلال العناصر الأسدية على الحواجز في الشوارع، وعلى المعاناة من دون وسائل تدفئة وكهرباء وماء وطعام، يعكسها الجائعون في حصار مخيم اليرموك وريف دمشق وأحياء حمص وغيرها، يعكسها من خرجوا من ظلام تحت بطش الأسد إلى ظلام أكثر قتامة تحت سيطرة داعش وجنونها.

جميع هؤلاء وأشباههم هم المندسون الحقيقيون الذين كان سيخافهم بشار الأسد فعلا، وهؤلاء من يجب أن يعودوا لتتكاثر أعدادهم فيشكلوا القوة الحقيقية، قوة العدل والحب والسلام والبناء والحق والإنسانية والعقل واحترام الآخر.
وإلى أن يعودوا، طوبى للقليل ممن بقوا في خانة الاندساس، وكل عام وهم لا يزالون مندسين نظيفين شرفاء، كلمة الحق نبراسهم، والظلم عدوهم، والعقل منارتهم.

ميساء آق بيق
الثورة مستمرة