Tuesday, July 21, 2015

ورطة حاتم علي!

حاتم علي

مخرج يدعوك لمتابعة أعماله من دون أن يتكلم. أعمال درامية كثيرة من إخراجه سحرتنا وتعلقنا بها، منها ثلاثية الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، والتغريبة الفلسطينية، والملك فاروق وغيرها، وحتى المسلسل المستوحى من أشعار الشيخ محمد بن راشد تميز بتقنيات ذات جودة عالية ومعالجة درامية راقية.
غير أن حاتم علي ربما يكون قد ارتكب خطأ هذا العام عندما وافق على إخراج قصة وسيناريو رافي وهبي "العراب، نادي الشرق".
تتناول القصة امبراطورية "أبو عليا" أو "المعلم" أو "نوح المنذر" كما جاء اسمه في المسلسل. عمل درامي كغيره من المسلسلات المرتبط إنتاجها بشهر رمضان وقع في فخ التطويل المطلوب لتحقيق عدد الحلقات الثلاثين. وإذا أزحنا هذا العامل جانبا باعتبار أن جميع المسلسلات الرمضانية محكومة بذات المصيبة، ونظرنا كمشاهدين إلى مضمون القصة بحد ذاتها، نجد شخصيات كثيرة متشابكة في عائلة كبيرة تتألف من أب (جمال سليمان) وزوجته أم أبنائه (سمر سامي) وستة أبناء وأبناء إخوته وزوجاتهم وأبنائهم، جميعهم يعملون ضمن امبراطورية المعلم ولصالحه، من مشاريع تجارية وعقارية ربحية، إلى مشاريع مدارس تعليم ووسائل إعلامية، إلى موظفي أمن ومخابرات أو رجال عصابات قتلة مأجورين، وغير ذلك مما تتطلبه عوامل تكامل عصابة مافيوية مرتبطة بالسلطة. وبتتابع الأحداث تظهر شخصيات جديدة فرضها عامل التطور الزمني، تتمثل في منافسين للمعلم تعمل على سحب البساط من تحته واحتكار السوق ضمن حسابات مستجدة، إضافة إلى تفرعات صورت عائلة بسيطة فقيرة رمت بها الأقدار بين أقدام هذه الحيتان. 
رافي وهبي

كل تلك الشخصيات كانت تسبح في بحر متلاطم الأمواج من الشر، بما في ذلك تفاصيل تناول الكحول بكثرة والقمار والعلاقات الجنسية المحرمة، عدا نقطة خير مضيئة واحدة تجسدت في شخصية الدكتور نورس الذي اعتقل وقبع في السجن إلى أجل غير مسمى، وكأن الكاتب أراد أن يقول إن الخير سيبقى مغيبا وسط الشر المسيطر في هذا الزمان. 

دارت الشخصيات في فلك فترة زمنية غامضة لم يحددها الكاتب وتسببت في حيرة وضياع المشاهد، فكثيرا ما ظهرت شخصية وسط الأحداث المتشابكة ودفعتنا للتساؤل عن صلتها بالعائلة ومن أين جاءت، لتتفكك خيوط ترابط العمل الدرامي المحبوكة. 
ضمن هذا الزحام كان مفروضا علينا أن نتابع سوزان، إحدى بنات المعلم، طوال المسلسل وهي تلاحق وتحاصر حبيبها المغني اللبناني وتتعرض لجميع أنواع العقوبات دون أن ترتدع، وقد استطاع المشاهد منذ اللحظات الأولى أن يفهم أن شخصية سوزان متمردة وعنيدة ومتسلطة وضائعة، لكنه كان مجبرا أن ينتظر مشاهدها المكررة وهي تقضم أظافرها حتى الحلقة الأخيرة عندما انتهت قصتها بأغنية! الحال نفسه يتكرر مع صورة صديقة الابن الأصغر جاد التي تريد أن تثبت أن لها شخصية مستقلة ومفكرة لكنها لا تستطيع التخلي عن صديقها. وكذلك مع الابنة الكبرى عليا وهي تهين زوجها في كل مناسبة، وتترك أعمالها التجارية كي تلاحق شؤون مسؤول الأمن عند أبيها لأنها كانت مغرمة به في شبابها ولم تصل إليه. وهناك الزوجة الثانية للمعلم والتي رضيت أن تتزوج في السر وتبقى مختفية عن الأنظار، وتكررت مشاهدها في السرير وهي تعبر عن حبها "الخيالي" لزوجها أو سجانها. أمثلة عديدة شبيهة رتيبة تبعث على الملل وتهوي بأسهم العمل. وربما يكون الاستثناء الوحيد الذي كسر رتابة الأحداث تمثل في شخصية دكتور الجامعة نورس ووالدته اللذين اختبأت عندهما ابنة ابو عليا الصغرى. 

وبالعودة إلى العامل الزمني فهناك عدم وضوح بشكل غير مفهوم جعل من القصة شكلا هلاميا بلا معالم. فبحسب الدلائل الواردة في الحوار يتوقع المشاهد أن الأحداث دارت في مرحلة ما بداية العقد الأول للقرن الحادي والعشرين، وهي الفترة التي تولى فيها بشار الاسد حكم سوريا وتغيرت تركيبة المخابرات ورجال المال الذين يتعامل معهم. غير أننا شاهدنا جميع تفاصيل المسلسل وكأنها تدور اليوم، بموديلات السيارات الفارهة الحديثة وديكورات القصور الفخمة والفنادق والمطاعم وأحدث الموضات في الملابس والماكياج والشعر التي ظهرت فيها الممثلات، وكذلك في صورة مدينة أبو ظبي التي لم يكتمل بناؤها بشكلها الظاهر في المسلسل قبل عام 2010. 

المخرج حاتم علي مع جمال سليمان

المعلم ابو عليا في القصة صاحب مبدأ، يحترم المجتمع، والقوانين، والأصول، ولا ندري كيف والحال كذلك كون هذه الثروة الهائلة التي شاهدناها في القصور والسيارات والخدم والأمن والبضائع والمشاريع والعقارات وغير ذلك. ورغم أنه كان يتحكم في مفاصل حساسة جدا في البلاد كما أوحى الكاتب، ورغم الذكاء الذي كان يبدو فيه، ودرايته بأدق التفاصيل التي تدور من وراء ظهره، وصلاته بالأمن والزعامة السياسية والأمنية والاقتصادية، وتحذيره لمن حوله من ردود فعل خصومه، ومعرفته بتركيبة جميع من يتعامل معهم، رغم كل ذلك، تنتهي حياته بغباء منقطع النظير ظهر في تهديده الصريح بأنه على استعداد لفتح ملفات جميع الفاسدين في حال قررت القيادة فتح ملفاته، ليسافر بعدها وحده إلى قريته وهو يحمل أوراقا مهمة، وكأنه غير واع لحقيقة أن من هددهم مستعدون لقتله ببساطة كي لا يفتضح أمرهم. حتى أننا لم نفهم ما الذي جعل قاتل أبو عليا يحمل المسدس بيده اليمنى وصينية الشاي باليسرى ليضعها بجانب الجثة ويأخذ حقيبة الملفات بدلا عنها في المشهد الأخير!

فيما يتعلق بالإخراج لم يكن واضحا لماذا لم تتحدث الشخصيات بلهجة قرى أهل الساحل وقد بين لنا الكاتب في السيناريو بوضوح أن عائلة ابو عليا جاءت من هناك. مشاهد عمليات البحث عن الابنة الصغرى المختفية من قبل رجال الأمن والكلاب البوليسية لم تكن موفقة أو محترفة، فلا الكلاب تجري ولا الأمن يجري خلفها ولا حركة الكلاب تدل على أنها تتابع رائحة شخص مفقود. ولم نفهم مثلا كيف تستطيع فتاة مدللة خضعت لعلاج عصبي ونفسي مدة طويلة أن تجري خلف سيارة وتلحق بالدكتور نورس على قدميها إلى منزله. وكان محيرا أن نرى صورة قصر الضيعة تارة فوق تلة جبل وتارة اخرى على شاطئ البحر. ناهيك عن أخطاء مونتاج في تركيب بعض المشاهد من الناحية الزمنية لتسلسل الأحداث. وعن ضعف في الأداء هيمن على بعض المشاهد التي كان من المفترض أن تكون مؤثرة مثل مشهد باسم ياخور آخر المسلسل عندما كان يتحدث إليه ابنه عن الخوف.



إشارة المسلسل

فنيا أبدع إياد الريماوي في التأليف الموسيقي وتوزيع الشارة الموسيقية، وكذلك ابتكر فنانو الغرافيكس شكلا جديدا لمقدمة المسلسل. كما بقي عمالقة التمثيل منى واصف وجمال سليمان وسمر سامي متربعين على عروشهم رغم أنهم بذلوا مجهودا مضاعفا كي يعطوا قيمة حقيقية لأدوارهم المرسومة في السيناريو. 

قد يخرج المشاهد بانطباع حاولت القصة تصويره، بأن كل ما يحكم المجتمع والبلاد هو عبارة عن عصابات مافيا متنافسة على السلطة والمال، غير أن السيناريو افتقر إلى العمق، وبالتالي لم يقدم شيئا جديدا أو صادما أو مؤثرا، وبقي في المنطقة الرمادية التي ترضي جميع الأطراف المنقسمين هذه الأيام. أما المعالجة فجاءت على مبدأ: ليس بالإمكان أفضل مما كان، والجود من الموجود.
ميساء آق بيق

No comments:

Post a Comment