عن مذكرات فاتن حمامة
مقالي المنشور على مدونة الصديق الناقد السينمائي محمد رضا
هذا هو لقبها الذي انطبع في ذاكرتنا، سيدة الشاشة العربية، الفنانة التي رافقت الوعي السينمائي لجيلنا في بداية تعرفنا على الفن السابع، فاتن حمامة التي شاءت الصدف أن تدخل استوديوهات السينما وهي لم تكمل عامها العاشر بعد، لتتملكها حالة عشق أزلية بعد ذلك لكل ما يتعلق بالفن.
تربعت على عرش البطولة والنجومية ردحا من الزمن قبل أن تختطفها الدراما التلفزيونية في مسلسلين حققا شهرة واسعة بعدها توقفت تماما عن التمثيل منذ العام 2000 حتى وفاتها هذا العام.
الفترة التي اشتهرت فيها فاتن حمامة وصارت نجمة يشار إليها بالبنان كانت فترة ذهبية في تاريخ السينما المصرية، ولم يبق نجم عشقته فتيات جيله لم يمثل أمامها، من عمر الشريف بطبيعة الحال كونها ارتبطت به فترة من الزمن، إلى رشدي أباظة وأحمد مظهر وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وحسن يوسف وأحمد رمزي وقبلهم يوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.. بل إنها في فترة متقدمة من عملها الفني صار وجود ممثل جديد أمامها يفتح له آفاق الشهرة والمجد.
من هذا المنطلق تصبح تفاصيل حياتها مثار اهتمام للكثيرين ممن أحبوها وفتحوا أعينهم على فنها، وهذا ما تنبهت له صحيفة عريقة مثل "الشرق الأوسط" فقررت، بالتعاون مع دار الأهرام المصرية، ما أطلق عليه "مذكرات فاتن حمامة"، حيث كتب الصحفي السيد الحراني مقتطفات من حياتها بشكل متسلسل منذ أن التقطها المخرج محمد كريم وهي طفلة بتشجيع من والدها إلى أن انفصلت عن النجم عمر الشريف.
ما يلفت النظر في هذه المذكرات أنها كانت منقولة شفهيا بالأساس، حيث يكتب الحراني أنه تمكن بعد محاولات كثيرة من إقناع فاتن حمامة بأن تسرد له مشوارها الفني، فكان أن وافقت وحكت له بعض محطات حياتها ومن ثم قام هو بنقلها وتدوينها ونشرها. وبمتابعة الحلقات الثماني يصاب القارئ النهم والمتشوق للاطلاع على رحلة حياة فاتن حمامة بخيبة أمل، إذ إن المذكرات لم ترو عطشه للمعرفة ولم تعطه أكثر مما كان يعرفه. نقل الكاتب أحداثا عامة ضمن عناوين عريضة يعرفها جميع متابعي المجلات الفنية والاجتماعية، وجاءت صورة فاتن حمامة في المذكرات مطابقة لصورتها في أدوارها الفنية التي دارت حول المرأة البريئة أو الضحية أو المضحية أو المثالية أو المتفانية والمثالية المعطاءة، فرآها القارئ فنانة متفانية جدا في عملها الفني، وإنسانة عاقلة متزنة تحسن الاختيار في كل ما يختص بحياتها وخصوصا في الحب والزواج، وأما حنونة يحتل أبناؤها تفكيرها، وإبنة تحترم وتنفذ توصيات وتعليمات والدها، وكذلك كتلميذة وطالبة متفوقة ومتميزة في مدرستها. لا شك أن هذا الكلام في أجزاء كثيرة منه صحيح، لكننا رغم كل ذلك استطعنا أن نكتشف، من دون أن تصرح هي بشكل واضح، استسلامها المبكر جدا لأضواء الشهرة لتصبح شخصية تعودت أن يحيط بها المعجبون والمهتمون من كل جانب إلى مرحلة جعلتها لا تقبل المنافسة أو التنازل عن أي تفصيل صغير يتعلق بها وتكون بعد ذلك أقرب إلى امرأة متسلطة.
نقرأ عن سرعة عقد قرانها الأول على عز الدين ذو الفقار ولا نعرف الظروف التي صاحبت ذلك إلا بشكل عام وبعناوين عريضة، وينسحب الحال ذاته على طلاقها منه، حيث نمر على قصص خاطفة عن وجود امرأة أخرى في حياته ثم حزنه وغضبه لقرارها الانفصال عنه، كما نقرأ عن قصتها مع عمر الشريف أمورا كانت معروفة في التحقيقات الصحفية من دون أن يجذبنا أي سر ينتظر قارئ المذكرات الشخصية معرفته، ولا نقرأ شيئا عن زواجها الثالث إطلاقا، ولا عن علاقتها بأبنائها بعد أن كبروا وشقوا طريقهم في الحياة.
ربما تكون فاتن حمامة حرصت على تنحية حياتها الخاصة جانبا، وحاولت عدم التحدث بشكل سلبي عن زوجها الأول احتراما له كونه صار في ذمة الله، وربما حاولت أن لا تكشف أسرارا لا تريد لأبنائها أن يعرفوها، وربما كان الكاتب هو من آثر عدم نقل كل ما سمعه وإن كنت أستبعد هذا، وربما كانت أحاديث فاتن حمامة إلى الكاتب السيد الحراني قديمة لكن نشرها جاء الآن، غير أن كل ما ذكر لا يمنع من التوسع في تفاصيل كانت خافية على جمهور كان ينتظر أكثر مما قرأه، وحقيقة أنها كانت مجتهدة ومحبة لفنها وأسرتها لا يلغي كونها ككل البشر إنسانة لها أخطاء لم يظهر لنا منها شيئا في المذكرات.
يتكرر الأمر ذاته عند الحديث عن تفاصيل حياتها العملية. إذ إن قصة الدعوى القضائية التي رفعتها ماجدة خير الله مثلا، وهي كاتبة مسلسل "وجه القمر" المسلسل الأخير الذي مثلت فيه فاتن حمامة في حياتها، لم يتم التطرق إليها أو الخوض في تفاصيل إشكالاتها أو محاولة الدفاع عن الاتهامات التي طالت فاتن حمامة من خلال هذه القضية، كما لم يتم التحدث عن العلامة السينمائية الفاصلة في حياتها عند أدائها دور البطولة في قصة طه حسين "دعاء الكروان".
أما حكايتها مع المخابرات المصرية في عهد عبد الناصر وهروبها من مصر نحو خمسة عشر عاما فلم يتم التطرق إليها لا من بعيد ولا من قريب.
أنواع المذكرات الشخصية تختلف وتنقسم إلى عدة أشكال، في الغرب هناك مذكرات السياسيين التي تبدو أشبه بالدعاية أو الدفاع عن مواقف سابقة ونادرا ما تتطرق إلى أخطاء فادحة، وهناك مذكرات شخصيات أقل شهرة وهذه تكون أكثر تفصيلا ولا يهتم أصحابها كثيرا بالصورة التي سيشكلها لهم القارئ في ذهنه، وهناك مذكرات فضائحية وتكون غالبا بغرض البيع وتحقيق الربح، وأكثر ما يجذب القراء عادة هو مذكرات نجوم السينما التي تحفل حياتهم بالتجارب والعلاقات والرحلات والمغامرات.
في بلادنا حيث تتحكم في ذهنيات شعوبنا الشرقية ثقافات العيب والحرام والتقاليد والأعراف، ويحاول كل منا أن يبدو في صورة أقرب إلى صورة القديس، قلما تجد المذكرات الشخصية طريقها إلى النشر إلا في دعايات موجهة. يبدو الأمر طبيعيا إذن عندما تكون صورة مذكرات فنانة محبوبة لها تاريخها، صورة لماعة براقة وكأنها فيلم رومانسي خيالي طويل. غير أني شخصيا في هذه ال حال لا أرى في ما نشر على صفحات الأهرام والشرق الأوسط مذكرات، بل تحقيقا صحفيا طويلا على حلقات ربما هدف الكاتب من ورائه تحقيق مكافأة مالية تساعده في حياته. وتحقيق مكافأة على عمل صحفي ليس عيبا بل هو أمر مشروع، شرط أن يحقق الغاية من ورائه، وهي التوسع في نشر المعرفة ضمن الموضوع المطروح.
http://shadowsandphantoms.blogspot.de/p/force-majeure.html
No comments:
Post a Comment