Tuesday, November 18, 2014


يسألونك لماذا الثورة..


أسير في شوارع المدن الأوروبية فأرى كل شيء يسير بانتظام، الجميع يحترم القوانين، السيارات تقف للمشاة وهؤلاء يقفون للسيارات التزاما بإشارات المرور، لا يوجد شرطة مرور فالجميع يعرف قواعد السير.
الناس تبتسم في وجهك من دون أن تعرفك (في الإسلام: تبسمك في وجه أخيك صدقة)..
أرى اللطف واحترام الآخرين وعدم اهتمام الخلق فيما لا يعنيهم.. أرى البلدية وقد وفرت الحدائق متنفسا للكبار وللصغار، المساحات الخضراء، الأبنية النظيفة المنظمة، الشوارع المخططة جيدا، المواصلات العامة الرخيصة والمتوفرة والراقية..

أخرج من المطار لا يوقفني أحد سوى موظف الجوازات الذي يتأكد من حصولي على الفيزا. أرى حقوق الإنسان وحتى الحيوان، والطب الجيد والتعليم عالي المستوى، والنقابات التي تحفظ حقوق العمال والموظفين في كل أطيافهم، أرى علم الدولة يرفرف في كل مكان، لا ينطق ويقول أنا مسيحي أو مسلم أو درزي أو علوي أو آشوري أو ملحد أو تركي أو كردي أو عربي أو أفريقي. أرى حكوماتهم تجتمع بانتظام في عمل دؤوب لتوفير كل متطلبات الشعب كي يبقى مرتاحا، أرى أصحاب المحلات والتجار لا يستغلون الناس أو يغشونهم، وأصحاب المهن الحرفية يقوم كل منهم بعمله بإخلاص وأخلاق دون تذمر وشكوى وعصبية..

يسألونك لماذا الثورة.. وكل مافي سوريا كان ينضح بالفساد والخراب..
يسألونك لماذا الثورة وكأن سوريا قبلها كانت سويسرة الشرق.. السرقة والرشى والاستغلال والكذب والنفاق والرياء والمجاملة وبيع الأخلاق والأجساد. الشوارع المليئة بالحفر وغير المخططة جيدا، الأبنية العشوائية ذات المظهر البشع والمرتمية في كل مكان بعد أن تمكن أصحابها من دفع مال الرشوة اللازم للبلدية والمحافظة، التعليم المتدني والنجاح بدفع المبالغ المطلوبة للأساتذة، استبعاد الأذكياء والجادين بل وقمعهم مقابل توفير مقاعد في تخصصات عالية للمنتسبين لبعض المنظمات المحسوبة على النظام، الأطباء الذين تحولوا إلى جزارين وقد أمنوا العقاب، إهمال الفقراء، التهام المساحات الخضراء ودفع أهالي الريف للبحث الدائم عن عيش معقول في المدن بسبب عدم توفير الخدمات الأساسية للحياة. تدخل الأمن في أدق تفاصيل الحياة، غياب القانون وفساده وعدم استقلاله حتى باتت الناس تأكل بعضها بعضا، انعدام حرية الفكر والتعبير وإعلام من لون واحد. إهمال المواقع السياحية واشتراط الشراكة مع من يريد فتح مشروع سياحي ناجح. أما المطار فالداخل إليه مفقود والخارج مولود.

يسألونك لماذا الثورة ولم يتمكن الشعب من اختيار حاكمه أو ممثليه في البرلمان أو المحافظة بحرية منذ أكثر من 50 عاما، ولم يستطع محاسبة أي منهم على تقصيره.
يسألونك وكأن الحياة طعام وشراب ولهو وجنس وهراء، فكيف تعيش الدواب إذن؟
يسألونك وكأنهم يعتبرون من يعيش في أوروبا وأمريكا واليابان وسنغافورة وهونغ كونغ وحتى ماليزيا من كواكب أخرى.
خمسون عاما عادت بلادنا فيها إلى القرون الوسطى بينما تمكنت دول مثل الإمارات العربية التي لم تكن شيئا من أن تصبح حلما للعمل والمعيشة، ويسألونك وهم أنفسهم حاولوا إما الهجرة أو الحصول على فرصة عمل أو تعليم أبنائهم أو التطبب في الخارج. وقد رأيت الآلاف يحاولون الهجرة إلى الدول الأجنبية ولم أسمع عن أجنبي حاول الهجرة إلى بلادنا.. يا للسخرية!..
وفي القرن الحادي والعشرين، قرن التطور التقني بامتياز والقفزات العلمية الهائلة، لا تزال سوريا تعاني من انقطاع الكهرباء والماء والاتصالات والانترنت وفقدان الأساسيات، وما زال أطفالها يسرحون في الشوارع لبيع المحارم واللبان، ويفرغون طاقات طفولتهم في  شريعة الغاب، ولا يزالون لا يحلمون بمستقبل، ولا يزال الشاب يتعلم ويبقى عاطلا عن العمل وغير قادر على توفير حياة لائقة أو على تأسيس عائلة.. يا لتعاستهم..
ولا يزالون يسألونك..



ميساء آقبيق

No comments:

Post a Comment