Wednesday, October 28, 2020

 إلى من يهمه الأمر

بين حرية التعبير وصامويل وتشارلي إيبدو والإسلام، ماذا يحدث؟


قبل الدخول بأفكار مسبقة والتحفز للهجوم على أي فكرة قد لا تتوافق مع ما يراه القارئ، أشير إلى أن التالي ليس درساً أو محاضرة أو تنظيراً، بل خليطاً من قراءة وقائع ومراقبة مجتمعات ومعلومات سابقة ولاحقة ونظرة ليست مرتبطة فقط بالدين، أو مرتبطة من ناحية ثانية بما يريده بعض السياسيين.

دعونا نتحدث...


يا صديقي/صديقتي، قبل أن تتخذ قرارك بالسكن والاستقرار في دولة أوروبية أنت وأبناؤك وباقي عائلتك عليك أن تأخذ في الاعتبار أموراً كثيرة. 

هذه القارة عاشت تاريخاً حافلاً بالأحداث والحروب، عاشت عصور ظلام وعانت من سيطرة الكنيسة على الفكر ومحاكم تفتيش قاسية وخاضت تجارب حكومات ديكتاتورية ودخلت حروبا دينية ثم اقتصادية ثم سياسية، دفعت خلالها الباهظ من الأثمان. ولا تزال ويلات وأهوال الحرب العالمية الثانية حاضرة في أذهان كثيرين.

قبل أن تستقر بين هؤلاء الناس عليك أن تعرف أنهم قرروا التوقف عن اللجوء إلى العنف أو القتل أو سفك الدماء فيما بينهم، كثير منهم يعتنون بحيوانات أليفة مختلفة وخصوصا منها الكلاب ويعاملونها كأحد أفراد العائلة، هؤلاء ألغوا عقوبة الإعدام من قوانينهم، لا يقتلون حتى الحشرات، وبعض بلدانهم لا تشهد معارك بين الشرطة وبين شرائح من الشعب حيث سادت إرادة القانون. 

الصورة من ويكيبيديا


عليك أن تفكر جيدا، أنت أيضا أيها الموجود في دولة عربية لا تستطيع أن تكتب حرفا واحدا في أي مكان ضد سياسات حكومتها أو مسؤوليها، بأن أوروبا اليوم لا تحمل نفس عقلية أوروبا الاستعمارية التي قررت حضرتك أن تملأ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بها. (ربما لم تنته فكرة الاستعمار ضمنيا لكن الشكل القديم انتهى) عليك أن تعرف أن زمرة السياسيين في الدول الأوروبية وحساباتهم لا علاقة لها بالنسبة الكبرى من شعوب دولهم. السياسيون دائما حساباتهم مختلفة، خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات والاستراتيجيات الخارجية. من الناحية الداخلية هم استطاعوا وضع نظام اجتماعي معين خففوا من خلاله نسبة البطالة إلى حد ما وأعطوا الأفراد تأمينا صحيا وتقاعديا يحفظ كرامتهم نسبيا، وأرسوا قواعد منظومة فكرية خاصة بهم تتعلق بحرية التعبير في أي شيء مع احترام الرأي المخالف. فصلوا الدين عن الدولة منذ زمن طويل ولم يعد الدين فكرة جامعة مسيطرة.

الصورة عن موقع مجلة المجتمع


عليك أن تعرف أن استقرارك في دولة أوروبية لا يعني بالضرورة أن تندمج مع سكانها إلى حد الذوبان حتى تصبح مثلهم ولكن أيضا لا يعني أن تعيش في قوقعة مغلقة تقفلها عليك وتمتنع عن محاولة فهم المجتمع الذي تعيش فيه أوالمدرسة التي يتعلم فيها أبناؤك وطريقة الحياة والتعامل الموجودة في البلد. هذه الدول أعطتك حرية كاملة كي تمارس شعائر دينك كما تشاء وأن ترتاد المسجد وأن تصوم وأن تدفع زكاة أموالك إلى جمعيات خيرية إسلامية وأن تختلط بالمجموعات البشرية التي تناسبك، ولكنها بالمقابل تطلب منك احترام ثقافتها التي بنتها خلال عشرات السنين، وعلينا جميعا أن نكون حذرين كي لا ندفع بالأوربيين لممارسة ما فعلوه في القرن الماضي ضد اليهود وكانت نتائجه كارثية على الجميع، وعلينا أن نتأكد أن ما حدث لليهود في القرن الماضي نتج عنه دولة جمعتهم، في حين أن المسلمين الموجودين في أوروبا لن يكون لهم ملجأ يأووا إليه في حال قامت الشعوب ضدهم. 

علينا أن نضع في الاعتبار أن ظروف السجن القسري المترتب عن مرض كورونا وإغلاق مجالات الترفيه التي كانت تخفف من الضغوط اليومية قد تتحول إلى عدائية إذا بدأت لن تتوقف، ولنتذكر أن الغربي ليس كالشرقي في التعامل مع الخلاف، الغربي إذا وصل إلى مرحلة العنف لا تحل المشكلة جلسة صلح كما يفعل أهل الشرق. فالحذر الحذر.  

في المقابل إن معلما في مدرسة إعدادية أو ثانوية يفترض أنه متخصص في مادتي التاريخ والجغرافيا عليه حتما أن يكون أكثر اطلاعا على ثقافات الشعوب، وكان يتوجب عليه أن يكون أكثر حذرا في اختيار أدواته التوضيحية في درسه عن حرية التعبير. المعلم كان غبيا، وقاتله كان جاهلا أخرق مجرما لم يتلق تربية صحيحة.

أما السياسي، ماكرون، الساعي للبقاء في السلطة، فقد لا يهمه أن يثير غضب عدد كبير من حاملي الجنسية الفرنسية والمقيمين في بلاده المنتمين إلى الديانة الإسلامية، هو يمكن أن يلقي تصريحات عشوائية من دون احترام وبلا مبالاة لمشاعر المسلمين.

ليس ماكرون هو الأول الذي يلقي تصريحات فيها ازدراء للديانة الإسلامية، هناك سياسيون سبق وفعلوا ذلك، غير أن الفرق هو في حالة المسلمين اليوم، حال هو الأسوأ منذ أكثر من أربعة  عشر قرنا.

المسلمون وهم الأمة الأضعف حاليا في جميع أنحاء العالم كأمة تنتمي إلى رمز واحد، أدواتهم في الدفاع عن أنفسهم وعن معتقداتهم تتراوح بين الكلام والتجريح والشتم والسب وتأييد العنف وبين حمل سلاح وارتكاب جريمة. جهل واسع بفقه دينهم وقلة معرفة وحكمة في التعامل مع الآخرين في ظل العولمة وانفتاح العالم، وقلة ثقة بالنفس وإحباط متواصل وانعدام المرجعية التي يمكن الاستناد إليها في شؤونهم العامة والفكرية والسياسية.

الصورة من صفحة المسلمون في العالم/فيسبوك


الإسلام ليس في أزمة، والإسلام ليس دين إرهاب، بل عدد من أتباعه، عدد ممن يضعونه علامة على جبينهم، هم الذين يعيشون أزمة نفسية وفكرية وثقافية ومعرفية وتعليمية، وهؤلاء هم من أضاعوا روح الإسلام ومعانيه. والحل الوحيد لهذا الحال هو العودة إلى أول كلمة نزلت في القرآن الكريم: اقرأ. على الأهل تعليم أبنائهم على القراءة والاطلاع. 

وأنت يا من تنتهز كل فرصة يحصل فيها حادث في مكان ما من العالم كي ترفع صوتك معتقدا أنك تفضح الإسلام الذي تريد بأي شكل من الأشكال أن تنقض عليه وتنتقص منه، عليك قبل أن يغشي بصرك تعصبك أو ربما أحيانا حقدك أو كرهك للآخر أن ترى بعين العقل. المجرم مجرم، مهما كان دينه، وتعاليم الأديان السماوية لم تتغير منذ مئات وآلاف السنين، وقد برز استنادا إليها اشخاص عقلاء كرماء حكماء رحماء مبدعين مفكرين، كما ظهر ممن ينتمي إليها أشخاص بعقليات مجنونة أو متطرفة أو مؤذية، وكما في أتباع أي ديانة هناك من أتباع الإسلام أيضا مرتزقة، ينفذون أجندات تملى عليهم مقابل مكافآت معينة.

وأنت يا محارب فيسبوك وتويتر كيف ترى أن الشتم والسب والإهانات والتذكير بماضي أوروبا الاستعماري وتسفيه المعتقدات وتأييد القتل يمكن أن يفيد دينك؟ أو يغير نظرة الغرب إلى معتقداتك؟ أو يساعدهم بتقدير واحترام نبيك؟ ناهيك عن أن المسيحيين المتدينين أصلا لا يعترفون بالدين الإسلامي كدين، في أوروبا يعتبرون الإسلام نادي اجتماعي يضم شريحة من البشر، وأتباعه طائفة معينة لا تختلف عن طوائف تنتشر حول العالم قد تكون أنت نفسك لا تعترف بوجودها. 

كي تنشر صورة جيدة عن دينك عليك أولا أن تدين القتل بكل أشكاله، ولو قرأت وتمعنت في ما جاء في القرآن والحديث لسارعت أنت والآلاف لإدانة القتل الذي حدث تجاه المعلم صامويل في مظاهرات كبيرة واضحة تشير إلى دينك ونبذه للعنف. وكنت تستطيع خلال هذه المظاهرة أن تكتب بلغات أجنبية بعضا من أحاديث الرسول الكريم المليئة بتعليمات المحبة والتسامح والسلام والاحترام والعطف على الضعيف والصغير، وكذلك تستطيع المشاركة في حوارات إعلامية وندوات وتثبت أن ما فعله كل من صحيفة تشارلي إيبدو أو المعلم صامويل لا علاقة له بحرية التعبير، فحرية الإنسان تتوقف عند إمكانية أذى الآخرين أو تسفيههم أو تقليل احترامهم أو احترام رموزهم.

ولنتخيل في هذا الإطار ونحن نقترب من أعياد الميلاد وهي مناسبة يحتفل فيها العالم المسيحي بأسره المتدينون فيه وغير المتدينين، ويذهبون إلى الكنيسة ليلتها ويتلون صلواتهم ويقدسون جميع رموزها، تخيل أن تملأ وسائل إعلام الطرف الآخر أو دروس المدرسة صور ومواد تسخر وتتهكم وتقلل من قيمة هذا الاحتفال وترسم صورا معيبة لكل من يحتفل بهذه المناسبة، هل سيعتبر من يراها من الغربيين أنها حرية تعبير؟ أم احتقار لمعتقداتهم؟

صامويل شخص غبي سقط ضحية جنون مجرم، والمجرم زرعت في رأسه أفكار متطرفة خاطئة منحرفة، والصحيفة التي نشرت الرسوم تافهة وأيضا منحرفة، والإعلام يجب أن لا يتخذ من التهويل والتخويف من الآخر وسيلة لكسب المشاهدين، والمتفاعلون عليهم أن لا يتطرفوا في شرح الأمور.

أرى أن تسمية الأمور بمسمياتها هو الأبسط والأسهل للتخفيف من الغوغائية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس، ومحاولة للحد من فوضى الأفكار المتضاربة والمتصارعة في حدث فرنسا، وهو ليس حدثا بسيطا ولكنه يمكن أن يتكرر، والأفضل تعلم طريقة احتوائه وامتلاك الأدوات التي تساعد في تخفيف حدة نتائجه

ميساء آق بيق







Thursday, September 17, 2020

"كورونا"، التباعد الاجتماعي


لا تزورني ولا أزورك، لا تلمسني، لا تصافحني، بالتأكيد لا تعانقني أو تقبلني، حافظ على مسافة التباعد متر ونصف المتر، إياك أن تنزع القناع عن وجهك، عقم يديك، تجنب الاختلاط مع الآخرين ما أمكن. باختصار دعنا نتحدث عبر الهاتف أو الشاشة الجامدة. قد أستفيد من هذا الوضع من ناحية ثانية بأني سأوفر المال والجهد لتحضير الضيافة المعتادة من شاي وقهوة وعصائر وطعام وحلويات وغير ذلك.

انتبه إلى أبنائك، ولا تنس أن تحذرهم من خطورة الاقتراب من أقرانهم، أو اللعب معهم والجلوس قريبا منهم وبالتالي ممنوع الهمس في الأذن أو العمل المشترك في تحضير الواجبات الدراسية أو البحوث والمشاريع المطلوبة في المدارس، والأفضل أن لا ترسلهم للتعلم أو لأي مكان مزدحم، دعهم يحاولون التعلم عن بعد. قد أستفيد أيضا من هذا الوضع وأوفر المال والوقت الذي يتطلبه تسجيل الأبناء في نوادي رياضية أو اجتماعية أو معرفية وأتحلل من مسؤولية توصيلهم إلى هذه النوادي وإعادتهم إلى المنزل.



الخيارات الوحيدة المتاحة أمامك كي لا تشعر أنك وحيد في جزيرة منعزلة وتجد نفسك تتحدث إلى كرة مثلما فعل توم هانكس في فيلم "كاست أواي" هي الانترنت ثم الانترنت ثم الانترنت، ستتحول علاقاتك الاجتماعية والعائلية والعملية إلى علاقة عبر الأسلاك. إذا حدث أي طارئ لهذه الأسلاك تحت البحر كما حصل منذ نحو عشرة أعوام وتوقف الانترنت مدة طويلة سيبدأ المرء في التحدث مع نفسه وهناك احتمال أن يصاب البعض بالهستيريا أو الأمراض النفسية.

لا أحاول هنا الاقتراب من التفاصيل الطبية لمرض كورونا، ولا يهمني أن أعرف إذا كان حدث هذا "الفيروس" بالصدفة أو أن أياد خفية زرعته في مكان ما فانتشر كالسرطان. ما يهمني هو ما بات الناس يعيشونه تبعاً لظهور هذا البلاء، خصوصا في الدول التي تتخذ احتياطات عالية المستوى كألمانيا مثلا أو دول أوروبية أخرى، وبالتالي أحاول رسم صورة متخيلة للوضع الاجتماعي في حال استمر الخوف من انتشار الوباء بهذا الشكل سنوات تالية.

                                        الصورة عن موقع "الشرق الأوسط"

ما قبل كورونا ليس كما بعد كورونا، اليوم اكتشفت شركات كثيرة وكبيرة أن بإمكانها الاستغناء عن نصف موظفيها وعامليها على الأقل من دون أن يتأثر العمل. يستطيع أصحاب رأس المال الآن تخفيض رواتب العاملين لديهم إلى النصف. سيوفرون بدلات المواصلات والسفر وتأمين حوادث العمل وستخفف العاملات أو الموظفات من المصروف العالي الذي كن يستهلكنه في شراء ملابس وأحذية ومعاطف كمتطلبات للخروج من المنزل كل يوم، وسينتقل جزء من هذه التكاليف إلى رسوم يتم ضخها في شركات وبرمجيات الانترنت أخذت شكل منصات تواصل واجتماعات وتنفيذ أعمال. أما من فقد عمله فستتضاعف لديه صعوبة العثور على بديل في ظل إعلان كثير من الشركات والمحلات الكبرى إفلاسها، خصوصا بعد أن بات الاعتماد على نصف العدد المطلوب من الموظفين والعاملين كافياً. سيتراجع مستوى المعيشة وسيخف الاستهلاك وسيتم الاستغناء عن خادمات ومربيات كن يأخذن وظيفة الأم، وربما يحاول بعض الرجال أن يتعلموا تصليح الأعطال المنزلية بأنفسهم لتوفير أجرة المتخصصين. وعندما تكمل الدورة الاقتصادية دورتها يكون المجتمع والدولة برمّتهم قد أصبحوا تحت أزمة اقتصادية صعبة لم تتضح صورتها بعد.

                           

                                            الصورة عن موقع "ساينتيفيك أميركان"


حماية الخصوصية صارت من الماضي. أصبحنا في كل مرة نجلس في أي مكان عام أو ننتقل في وسيلة مواصلات مجبرين على تعبئة فورم فيه جميع بياناتنا الخاصة من اسم وعنوان ورقم هاتف وإيميل، لم يعد الأمر اختياريا كما كنا نفعل عند تحميل أحد التطبيقات ونرفض ولوج التطبيق إلى بياناتنا الشخصية، صار الموضوع إجبارياً وأحياناً تحت طائلة العقوبة، وكل ذلك تحت شعار "كورونا".

اجتماعيا، سيبدأ الأشخاص بالتعود على الانعزال وستتراجع فرص الاجتماعات العائلية أو بين الأصدقاء وستتقلص مساحات الضحك والفرح. سيشعر كل إنسان بالخوف من الآخر وسينشأ الأطفال على هذه الثقافة، ويكبرون وهم أقل عطفاً وأقل قدرة على التعبير عن الحب والمحبة، فالملامسة الجسدية حتى لو بتربيت على الكتف أمر في غاية المهمة من الناحية النفسية لتحريك العواطف والمشاعر الحميمة. سيفقد الحب كما نعرفه معناه، وسيتعامل الناس كالآلات مع بعضهم البعض، لكن قبل أن يستقر الوضع على هذا الأمر سيواجه من يعيشون تغييرات وقيود الفترة الحالية بتقلبات في المزاج وربما عدائية في التعامل مع الآخرين.

فنياً، تراجع الإنتاج السينمائي والدرامي والمسرحي واختفت العروض الموسيقية والغنائية والراقصة ولم يعد هناك وجود لمعارض الرسم والتصوير إلا نادراً وعلى نطاق محدود.

حصار، سجن كبير، اكتئاب، فراغ، ضائقة مالية، خوف من الإصابة بالعدوى، ورعب. الرعب الذي نشره هذا الوباء في أنحاء العالم يتجه إلى الخروج عن السيطرة، كلمة "كورونا" أو "كوفيد 19" اليوم هي أكثر الكلمات تداولا في الأحاديث العامة.                                     

لن يستطيع المعارضون لأي أمر بعد اليوم تحقيق تجمعات كبيرة لإطلاق مظاهرات تؤثر على الرأي العام أو الإعلام في قضية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. بات الأمر ممنوعاً. تمت السيطرة على الجموع، أحكم أصحاب العروش ورأس المال ورجال الأمن القبضة على تجمعات الشعوب.

                                                الصورة عن موقع "رصيف 22"
                                

قد تبدو هذه الصورة قاتمة جدا، لكن ما يحدث بالفعل ليس مشرقاً إطلاقاً، ومن يجلس على كرسي في حديقة عامة أو مركز المدينة أو محطة قطار أو مطار ويراقب لغة الجسد بين المارة والموجودين، وينظر في وجوههم أو عيونهم خصوصا بعد أن غطى القناع الطبي نصف الوجه وسمح فقط للعينين أن تظهرا، لن يجد ذلك البريق الذي كان يضيء وجوه كثيرين، بل سيجد نظرات التوجس والحذر والترقب والمراقبة للمحيط خشية اختلاط زائد أو احتكاك محتمل، هكذا يصبح الإنسان أقرب إلى آلة.

زمن "كورونا" إلى مزيد من الفردية، وداعاً للشعور الجماعي.


ميساء آق بيق

17/9/2020

Thursday, September 10, 2020

 

كيف يتحول متابع الانترنت إلى سلاح جريمة!

في عام 2008 أنتجت هوليود فيلما بعنوان "Untraceable"/"لا يمكن تعقبه" وهو فيلم تدور قصته حول محققة في إف بي آي (وكالة التحقيق الفيدرالية) تحاول فك لغز جرائم متسلسلة لقاتل ذكي جدا أنشأ موقعا على الانترنت غير قابل للتتبع ليعرض جرائمه عليه.

(دعاية الفيلم في الرابط التالي)

https://www.youtube.com/watch?v=fOagvF01Qho


كيف كان يقتل هذا الشخص ضحاياه، كان يختطف الضحية ويبتكر لها في كل مرة طريقة تعذيب مختلفة تقتلها ببطء أو بسرعة بحسب عدد المشاهدين. وتتعلق آلية التعذيب بعدد مشاهدات الفيلم على الانترنت، فقد ربط هذا القاتل وسيلة التعذيب بعدد المتابعين للجريمة، وكلما ازداد عدد المشاهدين  كلما ارتفعت حدة التعذيب وسرعته وأدت إلى مقتل الضحية.

وعلى الرغم من أن هذا الشخص أعلن صراحة بأن مقتل كل شخص مرتبط برغبة المتابعين في المشاهدة، وعلى رغم تحذير الشرطة والوكالة للناس بأن لا يضغطوا زر المشاهدة على هذه الأفلام كي لا يتحولوا إلى سلاح للجريمة لكن في كل فيديو كان عدد المشاهدين يرتفع أكثر حتى وصل إلى ملايين تسببت متابعتهم في جعل التعذيب أكثر قسوة وأكثر سرعة في القتل.

يظهر القاتل على الهواء في نهاية الفيلم ليقول إنه لم يقتل أحدا، بل إن الناس تهوى التعذيب والمزاج الجمعي يهوى مشاهدة الموت والإثارة في أساليب القتل.

(المعلومات الكاملة عن الفيلم في الرابط التالي)

https://en.wikipedia.org/wiki/Untraceable


تذكرت هذا الفيلم وأنا أتابع ما يحدث على فيسبوك بين السوريين هذه الأيام حول قصة أنس مروة وزوجته الحامل أصالة وحفلة تحديد جنس الجنين التي ختمها برج خليفة في دبي بإضاءة جنس المولود أمام جميع الموجودين ونقلته منشورات الناشطين.

هذا الموضوع لاقى اهتماما ورواجا واسعا بين المتابعين وتنوعت التعليقات بين من رأى في الحدث ابتذالا ومن اعتبر أن أنس حر في ما يفعله ومن حمله مسؤولية إضافية كونه ابن شخص معروف في المعارضة السورية وبين من رأى أن فيديوهات أنس التي وصلت أعداد متابعيها إلى ملايين هي فيديوهات فارغة وتافهة في حين قال البعض إن أنس يمتهن بث الفيديوهات والحفلة هي عبارة عن بزنس يدر عليه أموالا إضافية، وهناك من قال إن المبلغ الذي تم دفعه إلى شركة إعمار المسؤولة عن إدارة برج خليفة هو 95 ألف دولار وهناك من قال إن المبلغ 350 ألف دولار، هكذا من دون الحصول على أي تصريح من مسؤولي إعمار أو من دون إبراز أي وثيقة تثبت هذا المبلغ، وبدأ الناس بتداول هذه المعلومات بناء على ثقة عمياء لا جدال فيها بمن نشر هذه الأرقام، ثم جاء خبر على موقع مسبار يقول إن الشركة قدمت العرض من دون مقابل مالي كدعاية.

(خبر مسبار في الرابط التالي)

https://misbar.com/factcheck/2020/09/10/%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%83%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%B3-%D9%85%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF-%D8%A3%D9%86%D8%B3-%D9%88%D8%A3%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%A9-95-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1

الانترنت اليوم بات في متناول الجميع، وصار بمقدور أي شخص أن يفتح حسابا خاصا على إحدى منصات التواصل الاجتماعي ويخرج في بث حي ومباشر يتحدث فيه ويقول ما يحلو له ويفعل ما بدا له، فقد انتشرت فيديوهات بلغات كثيرة تنوعت بين تعليم لغات وطبخ وخياطة وماكياج وتصفيف شعر وأمور علمية وكيفية صناعة مواد معينة في المنزل وصولا إلى فيديوهات أبطالها أشخاص يتحدثون في شؤون مختلفة ويقولون آراءهم ويعلقون على قضايا هنا وهناك.

السوريون أتقنوا لعبة الانترنت منذ أن بدأ الحراك الشعبي داخل سوريا عام 2011 حيث أنهم في تلك الفترة كانوا مصدرا وحيدا للأخبار الآتية من داخل البلاد في ظل تعتيم إعلامي كامل من نظام الحكم ومنع صارم لإعلاميين مستقلين من متابعة ما يحدث عن كثب ومن نقل الحقيقة. 

وعندما تشتتوا في أرض الله الواسعة وجد كثير منهم في وسائل التواصل الاجتماعي الحبل الذي يربطهم بأصدقائهم ومعارفهم وأهاليهم. بعضهم عمل بسرعة على الاندماج في البلد التي استقر فيها وتعلم لغتها وأكمل دراسته أو وجد عملا يكسب منه رزقه بمن فيهم أشخاص لهم حسابات على يوتيوب يقدمون فيها مثلا طرق طبخ أكلات سورية شهيرة، وهؤلاء انشغلوا فعلا بحياتهم الجديدة. والبعض الآخر ربما لم يتمكن من فهم البيئة المحيطة الغريبة عنه ولم يستطع أن يحقق وجودا ماديا فأخذ يبحث عن فرصة لإثبات الوجود بمختلف الوسائل ولم يجد سوى فيسبوك ويوتيوب كي يحاول تحقيق شهرة ولو كانت تستند إلى كلام فارغ أو تافه أو معيب بالمعايير الاجتماعية المتعارف عليها، وإن كانت تتخذ شكل صحافة صفراء تعتمد على فضح الآخرين والخوض في سمعتهم وخصوصياتهم. 

هناك من اعتمد على طرق شعبوية تخاطب نوعيات من الناس لا معرفة لديها ولا اطلاع ولم تقرأ في  حياتها كتابا كي يتلاعب بمشاعرها ويؤجج في نفوسهم غضبا أساسه غير مفهوم ويحشو رؤوسهم بمعلومات لا تستند إلى أدلة، وهناك من اعتمد على تحريك الغرائز الدنيا لدى أناس يعيشون الكبت الجنسي في أسوأ أشكاله، وهناك من صار يعتمد على كوميديا مضحكة أحيانا تكون لطيفة وممتعة وأحيانا كثيرة تكون تهريجا مبتذلا، وهناك أشكال أخرى كثيرة.

جميع هذه النوعيات وما يشبهها منها ما لم يسمع بصاحبها أحد ومنها ما حقق شهرة نسبية ومنها ما حقق شهرة كبيرة وهم قلة. وهؤلاء الذين حققوا شهرة جاءت شهرتهم من ارتفاع أعداد متابعيهم وبالتالي ارتفعت عائداتهم المالية تبعا لتلك الأعداد. وعندما يكون صاحب البث تافها مثلا وعدد متابعيه كبير فربما من الخطأ توجيه اللوم إليه بقدر ما يلام من يتابعه. في كل مرة يضغط أحدنا زر المشاهدة لأحد الفيديوهات يكون ممولا ماليا لصاحب الفيديو. تماما مثل أولئك الذين شكلوا سلاح الجريمة للقاتل في الفيلم المذكور أعلاه.

المستوى المعرفي السطحي المنتشر لدى شرائح كبيرة في مجتمعات الشرق الأوسط لم يبدأ الآن فهو نتيجة عملية تجهيل مستمرة ساهمت فيها حكومات ووزارات تربية وتعليم عالي ووزارات إعلام، وشركات إنتاج أفلام ومسلسلات، وتلفزيونات وإذاعات وشركات إنتاج أغاني مصورة، ساعدهم فيها جمود أساليب تقديم المعرفة المفيدة وعدم جاذبيتها وكذلك لا مبالاة شديدة من الأهل والمربين. وهناك برامج كثيرة تذاع في الإذاعة أو تعرض على شاشات التلفزة مليئة بالتفاهة واللاجدوى تجد اهتماما من عدد كبير من الجمهور يلهث أصحاب الإعلانات لإغرائهم بشراء ممنتجاتهم من خلال إعلاناتهم التجارية ضمن هذه البرامج وهكذا تحقق هذه البرامج المال، شريان الحياة في العصر الحالي، وما يهتم به الجميع.

The Eight Best Types of Social Media for Advertising

والغريب أنه على رغم الانتشار الواسع للانترنت في أيدي الصغار والكبار إلا أن هذا لم يشكل حافزا لحامل الموبايل او الآيباد كي يبحث عن أصل أو معنى أي معلومة يصادفها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا صار أي شخص يستسهل نشر أخبار كاذبة أو مفبركة، وأي صاحب حساب حتى لو وهمي لا يتورع عن اتهام أحدهم بالفساد أو بالخيانة وهو في هذا الإطار يمكن أن يضع أرقاما وقصصا خيالية كما يحلو له ويجد من يصدقه ويشارك أخباره ثم ينقلها إلى من يقوم بدوره بنقلها ونشرها على نطاق أوسع وهكذا تصبح القصة معتمدة من دون تحقق ويصبح من يحاول تصحيحها شخصا موتورا ويحكم الناس على الشخص المستهدف بالإعدام المعنوي التام.

من المسؤول عن الفوضى التي تنتشر بين أوساط بعض السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي؟ بطل الفيلم، أم مروج الفيلم وموزعه، أم الجمهور الذي يتسابق لمتابعة هذا الفيلم؟

هل هناك طريقة فعلية لإعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي أم أن الأمور خرجت عن السيطرة؟


ميساء آق بيق

11 أيلول 2020 

Tuesday, July 4, 2017

هل يكرر التاريخ نفسه حقا؟


في مكتبة المنزل بين كتب قديمة وقع نظري على كتاب "في سبيل التاج" للراحل مصطفى لطفي المنفلوطي وهو أحد أهم أدباء أوائل القرن العشرين..
كنت قد قرأت هذا الكتاب في مرحلة الصبا، عندما بدأت أتعلق باللغة العربية ورواياتها، وسحرني أسلوب المنفلوطي الأدبي الذي شابته لغة شعرية تسرق الألباب، ولكني وددت بعد مرور عقود أن أعيد النظر في كتبه. ربما دفعني حنين إلى الماضي وربما أردت أن أعرف لماذا نحتفظ بهذا الكتاب كل هذه السنوات..
لكني لست في وارد الحديث عن المنفلوطي أو كتابه المذكور هنا، لأن ما لفت نظري فعلا هو المقدمة التي كتبها الدكتور رياض قاسم، رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية. في هذه المقدمة تناول الدكتور قاسم المرحلة التاريخية التي رافقت حياة المنفلوطي، وقد لفت نظري التشابه بين تلك المرحلة في مصر وبين ما يحدث بين السوريين اليوم، وفي كلا المرحلتين قامت ثورة  على الاستبداد سلطت الضوء على تشتت اجتماعي خطير..
من يملك هذا الكتاب يمكنه أن يعود إليه ليقرأ التفاصيل، لكني هنا وددت أن أقتطع بعضا مما جاء في تلك المقدمة وأحداثها للمهتمين..

بدأ الدكتور قاسم بسرد لظروف مرحلة أواخر القرن التاسع عشر عندما كان الخديوي اسماعيل حاكما لمصر، ورغم أن اسماعيل قام بإصلاحات قضائية وتعليمية وزراعية وشهد عهده بناء قناة السويس إلا أن معارضيه عابوا عليه الإنفاق المالي والبذخ المبالغ فيه وميله الشديد لنقل الحياة الأوروبية بحذافيرها إلى مصر، ثم ساء الحال أكثر بعد عزل اسماعيل وتولي ولده توفيق الحكم، فكان أن ولدت تحركات وطنية إصلاحية تندد بالاستبداد وتنادي بالدستور.
عمّ الفساد في الإدارات في عهد توفيق وانتشرت الرشوة وساد نظام السخرة والعبودية فازدادت نقمة الشعب على الحاكم ونشأت ثلاث حركات: واحدة تطالب بحكم دستوري وثانية تزعمها ضباط مصريون طالبوا بالقضاء على سيطرة الأتراك والشركس على الجيش، والثالثة هي نتيجة انصهار الاثنتين المذكورتين في حركة المقاومة الوطنية التي تزعمها الضباط بقيادة أحمد عرابي، هذه الحركة التي تطورت إلى ثورة عارمة لكنها ضعيفة تمت هزيمتها واحتلال الانكليز لمصر بعدها. وبين عامي 1884 و 1904 خضعت مصر ظاهريا لحكم الخديوي وسيطرت على مقدراتها بريطانيا تحت حكم المسمى اللورد كرومر (السير إفلين بارينغ). لكن المقاومة الوطنية عادت لتنمو من جديد فتشكل في عام 1907 حزبان هما الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل، وحزب الأمة بقيادة الإمام محمد عبده.

ما حدث هو أن المصريين "تفرقوا شيعا وأحزابا وانقسموا بشكل ظاهر منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى إلى ما بعد نهايتها، وظل بأسهم بينهم شديدا، وظلوا رحماء على الأعداء متباغين بينهم، ولم يتحدوا إلا عند بدء ثورة العام 1919 ولم يدم اتحادهم إلا قليلا، فلقد عاد الخلاف والشقاق فيما بينهم قبل أن تنتهي الثورة، فمنهم من نادى بإسقاط الخديوي أولا، وكان فريق منهم يرفض المفاوضات مع الانجليز قبل الجلاء، وكان منهم من يلوذ بالخديوي أو يهادن الانجليز. ثم انقسم الحزب الوطني على نفسه بعد وفاة زعيمه مصطفى كامل عام 1908 فصار بعض رجاله مؤيدين للخديوي والبعض الآخر على صلة وثيقة بجمعية (تركيا الفتاة)، ولم يلبث حزب الأمة أن انقسم على نفسه كذلك، فأصبحت البلاد لا تدري ما تريد ولا ما يراد لها ولا تجد من يرد إليها رشدها ولا من يمد يده إليها. كثر رؤساؤها وتعددت قادتها، وتنوعت مذاهبهم، واختلفت طرقهم، واستحكمت حلقات البأس بينهم فلم يتفقوا في شأن من شؤون الأمة على شيء إلا على وضع حبل متين في عنقها قد أخذ كل منهم بطرف من طرفيه يجذبه إليه جذبة المستقتل المستميت حتى بح صوتها وضاق صدرها، وهم ينظرون إليها نظرة المداعب اللاعب، ولا أحسب أنهم تاركوها حتى يفرقوا بين الرأس والجسد فراقا لا لقاء بينهما من بعده" /(من كتاب النظرات)
كان الخديوي والانجليز ينظرون إلى هذا الخلاف في الصف الوطني بكثير من الشماتة والسرور، وكل منهما يحاول استغلال الأمر لصالحه.
إضافة إلى ذلك انقسم المجتمع بين مؤيد للجديد ومتمسك بالقديم، بين المحافظة والتفرنج، ودارت معارك عنيفة بين الطرفين على صفحات الجرائد وفي الأحاديث العامة، وكان الناس يطلقون صفة القديم على كل ما يرتبط بالتراث والدين والتقاليد والأعراف، ويعنون بالجديد كل ما دخل على بيئة مصر من الخارج، واتخذ الطرفان أقسى الألفاظ وأعنف الأساليب في مهاجمة الآخر، وشارك الناس كلهم: كتابا وقارئين في هذا الجدل الحاد. وساعد دخول أجناس أخرى إلى مصر إبان الحرب العالمية الأولى في زيادة حدة الصراع، حيث كثر الصخب والعربدة والغوغائية وظهر السماسرة وراج التهريب وكثرت الملاهي ورافق الفجور سخرية من العادات والتقاليد، ونزح كثير من الفلاحين الى المدن فابتلعتهم مصانعها ومتاجرها وفنادقها وأنديتها وسحبت منهم سماحة الريف وعفويته وزاد الاحتفال بالمناسبات الغربية مثل رأس السنة وغيرها، وكان المترفون من الأغنياء يتهافتون على ما تخرج المصانع الاوربية من وسائل الترف حتى غدت توافه الكماليات من ألزم الضروريات، وظهر تفاوت طبقي واضح فازدادت النقمة واتسعت الفروق.
ولم ينج واقع مصر الاجتماعي من أصحاب البدع ومدعي العلم الذين ألصقوا بالدين كثيرا من الزيف والتضليل، فلما هب المصلحون والمفكرون إلى تحرير بلادهم كان همّ أكثرهم الإصلاح الذي ينقي النفوس مما علق بها من وهم وخرافات زادت الجهل تعقيدا وذلك في ظل تراجع التقاليد الإسلامية الأصيلة. وانقسم الناس بين متطرفين من تقليديين يستسلمون استسلاما كاملا للقديم لا يرضون عنه بديلا بصرف النظر عن طبيعة الواقع الجديد وتطوراته وحاجاته، ومندفعين بشكل أعمى لنقل الحضارة الغربية مع إغفال تام للواقع الحضاري لبيئتهم...
(انتهى الاقتباس)

لا شك أن هذا الملخص لا يقدم صورة كاملة للوضع آنذاك لكنه يعطي فكرة عن صراعات مجتمعية طبيعية في فترات التغيير التي ترافقها ثورات من أشكال مختلفة.. ما يمر به المجتمع السوري اليوم من انقسام وخلاف ليس مستغربا وقد فتحت لهم أبواب التعبير بعد عقود من الصمت، ساعد في ذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في ظل وجود الشبكة الالكترونية التي دخلت إلى جميع الأجهزة وقربت المسافات بين الناس..
ما يهم من هذه النظرة السريعة هي لفت نظر الشعوب إلى ما مرت به مجتمعات قبلهم عسى أن يستفيدوا من تجاربها ويختصروا أمد الصراعات العبثية. وبرأيي إنه يتعين على الجميع أن يتقبلوا فكرة تطور الزمن والتغيير في أساليب الحياة من دون أن يتخلوا عن روح الدين إذا كانوا ملتزمين دينيا، وأن ينفتحوا على الأفكار الجديدة المفيدة التي يمكن أن تساعد في بناء الإنسان وبالتالي الوطن، وأن يتعالوا عن الخلافات السطحية التي لا تنتج إلا الفوضى والخراب ويلتفتوا إلى ما يجمع بينهم. صحيح أن دولا عالمية وإقليمية تتحكم في مقدرات ما يحدث في بلادنا، غير أنهم قد يستطيعون أن يتحكموا في مجرى السياسة لكنهم لن يستطيعوا أن يتحكموا في عقولنا وتوجهاتنا الفكرية إن أردنا إصلاحا..

كل ما أتمناه هو أن تبدأ أوطاننا في السير على طريق التعاون والبناء والازدهار في ظل عدالة تحقق الاستقرار، بدلا من التشرذم والهدم والمهاترات الكلامية التي تولد العنف وانهيار المجتمعات..
والسلام..

ميساء آق بيق

Sunday, July 17, 2016


في الذكرى الثانية لرحيل والدي رحمه الله، أنشر كلمات كتبها وهو على فراش المرض، قبل أن يودعنا بأيام. 


معركة إيران في بلاد الشام

لحكمة أرادها الله اعتنق أهل فارس الإسلام عقب الفتح الإسلامي قبل نحو خمسة عشر قرنا.
لم يكن في ذلك الوقت مذاهب سوى ما ورد في القرآن الكريم وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، إضافة إلى أقوال وأفعال الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأصحاب الرسول الأخيار الذين نهلوا من رحيق فكره النيّر.
تطورت الأمور فاستغل بعض من لم يدخل الإيمان الصحيح قلوبهم من أهل فارس المجوسية أصلا، القومية فرعا، استغلوا ما سببه استشهاد الحسين فأحدثوا شرخا في المجتمع الإسلامي لا تزال آثاره تفعل فعلها المدمر حتى الوقت الحاضر.
كان الحسين بن علي رضي الله عنه قد تزوج أميرة فارسية، وكان الفرس يحلمون بأن ينجب منها ولدا أرادوا له الخلافة بعد والده، ولأن النسب عندهم يعود إلى الأم فإن زعامة العالم الإسلامي كانت ستؤول إلى الفرس بغطاء إسلامي يخفي المجوسية. لهذا فإن بكاءهم على الحسين لا يعود لفقدانهم حفيدا من أحفاد الرسول الكريم وإنما لأنهم خسروا حلما بأن يعود ملك كسرى إليهم بثوب جديد. وهكذا نشأت فرقة الشيعة الإمامية وبقيت حتى يومنا هذا وبقي البكاء والعويل واللطم وإدماء الصدور والظهور حتى العصر الحديث للأسف الشديد.
وكما أن الندب والعويل لم يتوقف إلى الآن كذلك لم تتوقف أطماع الفرس باستعادة أمجادهم الزائلة واستعادة قوتهم وجبروتهم وبناء امبراطورية ترث مملكتهم الغابرة التي كانت تتقاسم العالم مع الرومان.
عندما كانت فارس الأكاسرة تسيطر على نصف العالم القديم كانت بلاد الشام مرتعا لمعاركها مع منافسيها الرومان الذين كان أهل مكة يتعاطفون معهم باعتبارهم أهل كتاب. بعد ذلك انتشر الإسلام على حساب دولتي الروم والفرس وقضي على فارس المجوسية التي ولدت لنا بعد ذلك المذهب الشيعي وتفرعاته. وعندما نشأت دولة الفاطميين الاسماعيلية في شمال افريقيا ومصر لم يكن هدفها نشر الإسلام وإنما نشر المذهب والقضاء على الدولة العباسية رغم ضعفها، فخاضت معارك طاحنة مع العباسيين وأتباعهم كان مسرحها بلاد الشام التي تمزقت قبائلها العربية الأصيلة بين الدولتين، والتي أنهكها صراع دام استمر أكثر من مئة عام حتى مجيء الصليبيين الفرنجة إلى المنطقة. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن أهل بلاد الشام وخاصة دمشق وحلب لم يستسلموا للفاطميين، بل قاوموا ببسالة وصبر واخترعوا نظام "الأحداث" وأحكموا السيطرة على المدن والأرياف طوال حكم الفاطميين..
بعد ذلك توحدت بلاد الشام ضد الصليبيين وحاربتهم بمعونة المسلمين من الأتراك السلاجقة وأتباعهم من الأتابك والأكراد بقيادة صلاح الدين الأيوبي حتى طردوهم من البلاد وطردوا معهم الفاطميين وخلصوا مصر من (الإله) الحاكم بأمر الله الفاطمي وأتباعه وعادت البلاد واحة عربية إسلامية أصيلة حتى العصر الحديث.
ولأسباب لا تزال أسرارها بحاجة لاستقصاء وتحليل، استلمت حكم سوريا الحالية أسرة تنتمي إلى طائفة صغيرة لا يتجاوز تعدادها نسبة 7 إلى 8 بالمئة من عدد السكان الأصلي، وكعادة أهل سوريا بالتسامح لم يثوروا ضد حافظ الأسد الذي قلب الجيش وجعله طائفيا بعد أن كان وطنيا..
أما الآن وقد اندلعت ثورة بشكل عفوي وبلا قيادة منظورة وقادرة، فقد تدخلت إيران الفارسية ووقفت إلى جانب النظام الذي يعتمد على ولاء الأسرة ومن وراءها بصورة مباشرة، وعلى ولاء بعض أبناء الطائفة التي تنتمي إليها الأسرة. نظام استخدم جيش البلاد الذي بناه الشعب السوري بعرق جبينه وجهده وبالضرائب التي دفعها طوال ستين عاما، ضد الشعب الذي موله واشترى أسلحته من دمه وماله.
أرسلت إيران بسرعة ميليشيات حزب الله لدعم النظام كخطوة أولى لإنقاذه من السقوط، ثم ألحقتها بميليشات من شيعة العراق وبعض المتطوعين من شيعة اليمن وأفغانستان وغيرها، وتاليا أرسلت الخبراء والقادة وبعض أفراد النخبة من الحرس الثوري الإيراني لمحاربة الشعب السوري الثائر.. وما لبثت أن قدمت للنظام مساعدات مالية ونقدية وغذائية ودوائية وبترولية ناهيك عن أسلحة فتاكة.
هكذا قلبت إيران الصراع في سوريا من مطالبة قطاعات واسعة من الشعب للحرية والديمقراطية والعدالة والتعددية السياسية إلى حرب طائفية بكل معنى الكلمة، فما كان من الحركات "الإسلامية" المتطرفة إلا أن استغلت الأحداث فتشكلت تنظيمات متشددة مثل داعش والنصرة وحركات داخلية سورية مستقلة متعصبة دينيا لمجابهة تطرف النظام وإيران وأتباعهما.
الواضح لكل بصيرة أن طهران تعمل للسيطرة على العراق وسوريا ولبنان، ولها مرتكزات قوية في العراق ولبنان ولديها نظام متهاو في سوريا، وهي على هذه الخطى التي تسير فيها تهدف للسيطرة على بلاد الشام توطئة لابتلاع الأردن وتهديد ينابيع النفط في الخليج، يعزز وجودها بؤرها على حدود الجزيرة العربية في البحرين واليمن. غير أن ما غاب عن بال إيران "المجوسية" التي تتحالف مع نظام قتل من شعبه مئات الآلاف ودمر ملايين المنازل وشرد ملايين السكان أن هذا شعب لن يستسلم للنفوذ الإيراني المجرم، وسيبقى بإذن الله صامدا في وجه هذا الهجوم الكاسح المدمر.
إن عالم فارس يتناقض كليا مع العالم الحر في طريقة التفكير والمعتقد والسياسة المبنية على العنف والبطش وإلغاء الآخر والإبادة. إذ كيف يمكن لإيران الحالية أن تكون إسلامية والرسول (ص) أرسل رحمة للعالمين وليتمم مكارم الأخلاق، وهو الذي حض على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وكل هذا يتناقض مع ما تمارسه إيران من دعم للقتل والتعذيب والتدمير والتهجير.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية وأمريكا وأوروبا وأصدقاء سوريا على علم ودراية بهذا الأمر، إلا أن هناك قوة مناقضة لكلا الاتجاهين وهي تخطط لاستمرار الصراع في المنطقة، ألا وهي إسرائيل التي تعتبر الشعوب العربية الأصيلة عدوا لها، وكذلك إيران ذات الطموحات والأطماع والتي تحتم مصلحتها استمرار الصراع بين قوتين كبيرتين.
أمريكا باعتبارها القوة الأعظم في العالم برهنت في أكثر من مناسبة على أنها تستطيع مجابهة الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا والصين الحاليتين، ولكنها غير قادرة على مجابهة إسرائيل، لما لهذه الدويلة من نفوذ داخلي على مراكز صنع القرار في واشنطن. ولما كانت قوة إيران لا يستهان بها فكان لا بد للثورة السورية من حلفاء تقف إلى جانبها، إذ إنها لا تقاتل دفاعا عن وجود نحو عشرين مليون نسمة فحسب، بل تدافع عن العالم الحر في شرق المتوسط، وعلى ذلك فالمطلوب وبشكل عاجل من العالم الغربي أن يتوحد تحت قيادة أمريكا لمجابهة هذا العدو المتجبر، والمطلوب من كل من الأردن ومصر ودول الخليج أن تقف موقفا واحدا من الثورة السورية وتدعمها بالمال والسلاح الفعال والمشورة، والمطلوب من الثورة السورية أن توحد صفوفها وقياداتها تحت شعارات الحرية والديمقراطية وضمان حقوق الإنسان وإنشاء دولة دستورية تضمن حرية الرأي والحياة الكريمة لكل أبناء الشعب بكافة مكوناته من أعراق وطوائف ضمن حدود القانون..
والمطلوب من إسرائيل أن تتخلى عن أحلامها في السيطرة على المنطقة وتقبل بدولة ذات حدود، ويمكن حينها إذا حسنت نيتها أن تعيش بصداقة ووئام ضمن المحيط العربي..
لقد حملت شعوب بلاد الشام رسالة الرحمة والخلق القويم والشورى آلاف السنين، وستبقى مدافعة عنها إلى يوم الدين بإذن الله.
إن إيران المجوسية تركب الحصان الخاسر، وكما صمد هذا الشعب بوجه الفاطميين أكثر من مئة عام، فلتعلم أنه نفسه من سيحاربها أكثر من مئة عام، ولن يتخلى عن مبادئه السامية..

والله من وراء القصد..

محمد بن جميل آق بيق
قاضي سابق

Saturday, June 11, 2016

لعبة "تيك تاك تو" مع بوتين

لماذا ليس لدى الولايات المتحدة أمل في وقف الحرب السورية


مقال كتبه ليون آرون في الفورين بوليسي وهذا تلخيص مترجم وليس ترجمة حرفية وذلك اختصارا للوقت

رابط المقال:

من بين الأمور التي تقف عائقا أمام جهود الغرب لوقف المذابح في سوريا والتخفيف من
 حدة أزمة اللاجئين تبرز هوة ضخمة في المواقف الأمريكية والروسية

بالنسبة لبوتين فإن سوريا هي جزء مهم وطويل الأمد من مشروع أيديولوجي وجيوسياسي. وبوتين ليس شخصا تسهل قراءته، إذ إنه تدرب جيدا في المخابرات السوفياتية السابقة كي جي بي، لكنه يعتبر أن نهاية حقبة الحرب الباردة جاءت نتيجة معاهدة مذلة لبلاده تشبه معاهدة فرساي تجاه ألمانيا، كما أنه يعتبر أن بوريس يلتسين وميخائيل غورباتشوف إما خائنين أو غبيين لقبولهما بأن تصبح بلادهما غير فاعلة في المجتمع الدولي، ولهذا كان هدف بوتين الأساسي بعد عودته إلى الكرملين عام 2012 هو الاهتمام بالجغرافيا السياسية والسياسة الخارجية.


وعلى الرغم من مبيعات روسيا العالية للنفط بين عامي 2010 و 2014 إلا أن النمو الاقتصادي لم يتحسن، حيث اعتبرت نسبة كبيرة من الشعب أن الحكومة عاجزة وفاسدة وتراجعت شعبية النظام الحاكم الذي لم يشأ أن يقوم بإصلاحات مؤسساتية ليبرالية، فما كان من بوتين إلا أن حول اللعب من الوتر الاقتصادي إلى الوتر الوطني.
لم تكن الولايات المتحدة سعيدة بوقوف الدب الروسي مجددا على قدميه وتمرده على ما يملى عليه في مجال السياسة الخارجية، لكن بوتين لم يكن لديه ما يخشاه فحقق شعبية واسعة لدرجة جعلت أحد المواطنين يقول: نعم أنا عبد لكني عبد لسيد الكون!

بعد أن هدأت حدة الصراع في أوكرانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2015 حول بوتين جهوده إلى سوريا ووافق على ظهور بشار الأسد على شاشات التلفزة وهو يصافحه كحليف، وهذا ما يدل على أن الوجود الروسي في سوريا لن يكون محدد المدة. وما يعزز هذا الاعتقاد تصريح الجنرال فلاديمير ميخايلوف قائد القوة الجوية الروسية الذي أشار إلى أن سحب بعض الوحدات البرية الروسية من سوريا ليس مهما فهم يستطيعون العودة في أي وقت. وهكذا تستمر موسكو في تزويد الأسد بدعم جوي وصواريخ تكتيكية ودعم استخباراتي.

من هذا المنطلق فإن الزيارات المتكررة التي يقوم بها جون كيري وزير خارجية أوباما إلى روسيا لا تعدو كونها ترسيخ لشرعية الأسد كرئيس لسوريا وتقوية لصورة نفوذ الكرملين، وليس مهما ما يأتي من تصريحات بعد هذه اللقاءات. يضاف إلى ذلك المهزلة الغريبة المسماة مجموعة دعم وقف إطلاق النار في سوريا التي اجتمعت في فيينا والتي ربطت نفسها بخطط الأسد وبعدم القدرة على تقديم مساعدات إنسانية للمدن السورية. كل ذلك وجون كيري يجلس على الطاولة إلى جانب سيرغي لافروف الذي يستطيع رئيسه أن يوقف المذابح في مكالمة هاتفية مع الأسد لا تستمر أكثر من 30 ثانية، لكنه على العكس من ذلك قرر أن يساعد في قصف مدينة حلب على طريق تحويلها إلى ستالينغراد جديدة وليكرر فيها ما فعله لجروزني عاصمة الشيشان بين عامي 1999 و 2000.


في سوريا، يريد الغرب السلام، لكن بوتين يحتاج إلى انتصار، وهكذا فإن مصير المعارضة المؤيدة للغرب سيكون إما الهلاك أو انتزاع أسلحتها بالقوة كجزء من الشروط الروسية لتحقيق السلام، وسيوضع الأسد في مكان مقارنة مع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وسيستمر في الحكم. أما روسيا فستعيد أمجاد الاتحاد السوفياتي وتعود مجددا لاعبا أساسيا لا مجال لتعويض مكانه في الشرق الأوسط.
لا مجال للحسابات الخاطئة، بوتين سيستمر حتى يحقق أهدافه إلا إذا تجاوزت كلفة الحملة فوائدها.
وأمريكا بحسب تصريح وزير خارجيتها لا ترى تهديدا في وجود روسيا على الأراضي السورية، فواشنطن لا تطمح في إنشاء قواعد عسكرية هناك ولا بوجود عسكري طويل الأمد، وهذا ما يجعل حرب بوتين في سوريا معدومة المخاطرة وكبيرة الجائزة، ولا يبدو في الأفق أي تحويل لتعامل الولايات المتحدة مع المسألة.  

روسيا تلعب الشطرنج في سوريا، والقول إن أمريكا تلعب لعبة الداما هنا فيه مبالغة أخلاقية وعسكرية وسياسية، الأصح القول إنها تلعب لعبة "تيك تاك تاو"!

*لعبة "تيك تاك تاو" تدور بين طرفين يتبادلان الأدوار..

ترجمة: ميساء آق بيق، بتصرف

Tuesday, April 5, 2016


هل لا تزال تجمعنا؟! MBC




علاقتي بمجموعة MBC السعودية طويلة ومتشابكة، فقد عملت في قناة العربية التابعة لها من 1/1/2003 إلى 31/8/2011 حين تقدمت باستقالتي منها. تخلل هذه الفترة انقطاع دام 6 شهور عندما خضت تجربة مزعجة مع قناة الدنيا السورية أثناء بثها التجريبي حيث لم أتحمل البقاء فيها أكثر من 3 شهور، فما كان من مدير العربية آنذاك عبد الرحمن الراشد إلا وأعادني إلى عملي وكأني لم أغادره.
ولا شك أن المجموعة تعمل بشكل مؤسساتي حقيقي يجعلها رائدة في الشؤون التنظيمية والعملية، كما أن ضخامتها تهيئ لأي موظف أن يتعلم الكثير حتى لو وجد فيها نماذج سيئة لا يمكن أن تتسبب في تخريب نظام العمل.

غير أن صفة معينة تختص بها الإم بي سي يمكن أن تشكل نقطة إيجابية وسلبية في آن واحد، هي ما يسميه موظفوها درجة الأمان الوظيفي، أو حفاظها على مواردها البشرية نوعا ما إلى ما يشبه أبد الآبدين، وذلك إذا لم يتركها الموظف بنفسه، فهناك عدد ممن عملوا في المجموعة منذ انطلاقتها في لندن في تسعينيات القرن الماضي لا يزالون يعملون فيها إلى الآن. 

هذه الصفة تحديدا لم تعد فيما يبدو محصورة في الموظفين اليوميين، بل امتدت لتشمل فنانين ومقدمي برامج باتوا علامة مميزة لمجموعة MBC خصوصا في شهر رمضان، فصار مشاهدو القناة لا يتابعون مسلسلات رمضانية يومية، وإنما مسلسلات يومية سنوية! بمعنى أن ما يعرض على القناة موسما صار يمتد إلى مواسم، وهذا ما حدث مع مسلسل باب الحارة الذي ضرب رقما قياسيا في سبعة مواسم، وبرنامج خواطر الذي استمر أحد عشر موسما، ولحق بهما حروف وألوف، ورامز واكل الجو، ومسلسلات عادل إمام، وغادة عبد الرازق، وناصر القصبي وغيرهم، حتى صار يخيل للمرء أن هؤلاء تحولوا إلى موظفين في المجموعة، وأن عقودهم يتم توقيعها بالجملة على عدة سنوات. ومن حرص إدارة الشركة على عدم خسارة أي أحد عمل معها بالطريقة التي تتعامل فيها مع الموظفين اليوميين، تستمر في إبرام العقود مع نفس الجهات الرماضانية في تكرار أحيانا ينعكس سلبا على صورة ما تقدمه. والأمثلة قد تكون واضحة، فالعمل الذي يلقى صدى سيئا لدى المتابعين يعرفه كثيرون، وهؤلاء لا تصل أصواتهم إلى الإدارة، فتنقلب شاشة المحطة إلى عروض روتينية قد تتحول إلى مملة أحيانا.


قد يكون القائمون على المجموعة لا يهتمون إلا بالمتلقي السعودي كونه الهدف الرئيسي للمعلن، غير أن اللقب التي تطلقه على نفسها وهو لقب "قناة كل العرب" يجعلنا نطرح السؤال: هل تهتم إم بي سي فعلا بالرأي العام في دول منطقة الضاد؟ أم ينحصر اهتمامها بما تحققه من أرباح مالية من خلال لعبة التفاعل الهاتفي التي صارت علامة مميزة للمحطة في السنوات الأخيرة؟!