Thursday, February 19, 2015

أكثر من 20 عاما، مأساة تتكرر بوجوه مختلفة

(أي تطابق بين الأحداث المذكورة هنا وبين ما يحدث اليوم هو مجرد تكرار تاريخي!)

البوسنة والهرسك، أوائل تسعينيات القرن الماضي، ومذابح وإبادة واغتصاب وقتل جماعي يندى له الجبين. أين كان المجتمع الدولي خلال أكثر من 4 سنوات؟

جورج بوش الأب

عندما بدأت أزمة البوسنة كان الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش الأب في البيت الأبيض. أعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما عن يوغوسلافيا السابقة وبقيت البوسنة والهرسك في وضع حرج لوجود إثنيات مختلفة فيها وهي الصرب والكروات والمسلمون البوشناق. فاندلعت فيها حرب على خلفية عرقية استهدف فيها المسلمون البوشناق بشكل أساسي، وذلك بعد أن كون صرب البوسنة قوات عسكرية وانضم لهم متطوعون واستولوا على مخازن الجيش اليوغوسلافي في البلاد.
بوش حينها كان على وشك إنهاء فترة حكمه الأولى ويستعد لخوض انتخابات رئاسية أدت إلى خسارته ووصول الديمقراطي بيل كلينتون إلى البيت الأبيض نهاية عام 1993.
كان مجلس الشيوخ الامريكي حاول الضغط على بوش لتقديم مساعدة عسكرية إلى البوسنة لكنه فشل، وبقيت الإدارة الأمريكية تتعامل مع الأزمة باعتبارها إنسانية، واستمر تطبيق قرار سابق يحظر بيع الأسلحة إلى البوسنة ساريا وهو ما جعل الصرب متفوقين عسكريا.

عام 1992 أعلنت البوسنة عن مقتل 10 آلاف طفل في ستة أشهر، فقد قام الصرب بأكبر عملية طرد للمسلمين من بيوتهم في الضواحي الجنوبية من سراييفو، في حين مات في شتاء 1993 بين 10 و15 ألف شخص بسبب البرد، وناشد الرئيس البوسني المجتمع الدولي لوقف المذابح في بلاده التي شهدت تهجير أكثر من مليون من السكان.

اتهم رئيس الكنيسة الصربية الارثوذكسية عصابات صربية متطرفة وقوات تابعة للجيش اليوغوسلافي السابق بقتل 120 ألف مسلم منذ اندلاع الحرب، (عدد سكان البوسنة كان يبلغ نحو 4 ملايين نسمة) وأضاف أن هذه العصابات دمرت أكثر من مئتي مسجد، واغتصبت أكثر من 30 ألف امرأة وفتاة أصبحت المئات منهن حوامل، (ولدن في مستشفيات كرواتية رفضت سلطاتها تقديم إحصاءات دقيقة بهذا الشأن، وأغلبهن تركن مواليدهن ورفضن استلامهن ما فتح المجال واسعا أمام عصابات بيع الأطفال لأغراض مختلفة منها استخدامهم في معامل خاصة لإجراء تجارب علمية بحسب بعض الأقوال).
رادوفان كارديتش
أحد المسؤولين عن مذبحة سربرينتشا

فرض العالم عقوبات على صربيا والجبل الأسود آخرها كان بقرار من مجلس الأمن عام 1993 هددت بكارثة اقتصادية، غير أنها لم تفلح في ثني الصرب عن استمرار حربهم، حيث رفض برلمان صرب البوسنة خطة لتقسيم البلاد إلى عشرة أقسام على أسس عرقية اقترحها مبعوث السلام ديفيد اوين دعمتها الأمم المتحدة رغم مناشدة الرئيس سلوبودان ميلوسيفتش لهم بالقبول وخسارة شعبية ضخمة لحقت به نتيجة لذلك.

الرئيس الأمريكي بيل كلينتون شكك في فاعلية الضربات الجوية كوسيلة لإنهاء الحرب التي وصفها بأنها "مثيرة للحنق". وقال في حديثه لصحيفة "بوسطن غلوب" إنه لم يقرر بعد ما الذي سيفعله لوقت التطهير العرقي معربا عن خيبة أمله إزاء الخيارات المطروحة، مضيفا: لا يمكن للولايات المتحدة أن تقرر ببساطة قصف بعض الأهداف في البوسنة لقلب الأوضاع السياسية على الأرض، وأعتقد أن علينا أن نضع استراتيجية عامة تعطي لهؤلاء الناس فرصة الحياة في سلام.
وزير خارجية البوسنة حارث سلارديتش شدد على أن التدخل العسكري كان يمكن أن ينقذ ربع مليون شخص راحوا ضحية الاعتداء الصربي.

وقد جاء في تحليل إخباري من واشطن كتبه كريستيان شيز إن التصريحات المتناقضة والمراوغة لبيل كلينتون فيما يتعلق بالملف البوسني ترسخ سمعته كرجل متردد إلى أقصى حد، يغير موقفه تبعا للأحداث، وقد وصفه بول جرينبرج كاتب افتتاحية في صحيفة أمريكية تصدر في ليتل روك ب"الرجل المطاط". فقد تحفظ البيت الأبيض على دعم خطة إعلان مناطق آمنة في الجيوب الإسلامية، معتبرا إياه مكافأة للتطهير العرقي الذي مارسه الصرب، ورفض كلينتون أن يقبع المسلمون في هذه المحميات إلى الأبد.


بيل كلينتون

كلينتون كان بدأ حملته الانتخابية بالتحدث عن فكرة استخدام القوة ضد الصرب في عمليات قصف جوي محددة وركز على الجانب الأخلاقي طارحا المشكلة كصراع بين الخير والشر، ورفض فيما بعد خطة سايروس فانس ولورد اوين لتقسيم البوسنة على أسس عرقية وأيد فقط عملية المفاوضات، ثم عاد ودعم الخريطة وبدأت إدارته بالضغط على المسلمين كي يوافقوا على الخطة أسوة بالكروات.
ما حدث هو أن كلينتون عندما قرر استخدام القوة، أرسل وزير خارجيته وارن كريستوفر للحصول على موافقة الأوربيين الذين رفضوا، وبهذا حكم كلينتون بنفسه على مبادرته بالفشل عندما أعطى الأوربيين فرصة لنقض سياسته، وبدلا من أن ينضم الأوروبيون له حدث العكس.
من الذي كان يرفض في أوروبا استخدام القوة ضد الصرب؟ كانت انجلترا وفرنسا تقودان حملة ضغط لمنع استخدام التدخل العسكري أو رفع حظر السلاح عن البوسنة، نجحت الدولتان طيلة أكثر من عام في التأجيل وطرح مساعي سلام شكلت في الواقع فرصة لاستمرار الصرب في ممارساتهم، واستطاعت الجهود البريطانية الفرنسية إفشال ضغوط ألمانيا والنمسا في أحد الخيارين: تدخل عسكري أو رفع الحظر.
وبعد هزيمة الاشتراكيين في الانتخابات الفرنسية تغير موقف البلاد إلى تأييد تدخل عسكري محدود، بينما بقيت انجلترا متمسكة بموقفها المنحاز سياسيا إلى الصرب ومقاومة أي إجراء يوقف مذابح البوسنيين، في حين كانت روسيا الداعم العسكري الأساسي للصرب. وقد أرسلت بريطانيا وزير دفاعها إلى واشنطن لعرقلة قرار أمريكي باتخاذ القوة بعد طلب قدمه أعضاء في الكونغرس، فما كان من كلينتون إلا أن خرج بتصريح يقول إن الولايات المتحدة لن تقدم على خطوة كهذه إلا بموافقة حلفائها الأوربيين. 

البوسنيون كانوا يرون في أمريكا طرفا أكثر ليونة من الأوروبيين، غير أنهم كانوا يحملون أمين عام الأمم المتحدة بطرس غالي مسؤولية كبيرة عن عدم إيجاد بدائل للمفاوضات، حيث علق سيلارديتش وزير الخارجية البوسني قائلا: إن الدكتور بطرس غالي مصمم على التفاوض حتى آخر بوسنوي! إضافة إلى لوم مبعوثي السلام التابعين للأمم المتحدة اللذين استمرا على رفضهما فكرة التدخل العسكري أو رفع الحظر.

أما الموقف العربي من الأزمة فقد كان الحلقة الأضعف، حيث لم تستطع الحكومات العربية أو الإسلامية ممارسة ضغوط سياسية على المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة، أو مقاطعة حكومة الصرب، أو تقديم دعم مالي حقيقي للبوسنيين الذين كانوا يطالبون بمبلغ 260 مليون دولار للإبقاء على كيان الدولة، علما أن دول الخليج كانت قد أبرمت صفقات عسكرية للعقد الأخير من القرن العشرين بمئتي مليار دولار، وأن حكومة حافظ الأسد بقيت طوال الوقت تتعامل تجاريا مع الصرب، ودول أخرى رفضت استقبال جرحى بوسنيين أو احتجزت طائرات محملة بالأغذية متوجهة إلى البوسنة.

فيما يتعلق بالكروات فقد تظاهروا بالحياد في حين كانوا ينهبون المعونات ويفرضون اتاوات على ما يمررونه من المساعدات، وأحيانا يستولون على حمولة الشاحنات في نقطة لاحقة، كما كانوا ينسحبون بشكل مفاجئ من مناطق إسلامية لفسح المجال أمام الصرب بالدخول إليها. وقد قدم الرئيس الكرواتي عام 2010 اعتذارا رسميا عن دور بلاده في إذكاء الانقسامات العرقية.



في ابريل/نيسان 1993 أعلنت الأمم المتحدة سربرينيتشا قرب سراييفو عاصمة البوسنة منطقة آمنة تحت حماية قوات أممية ونشرت كتيبة هولندية قوامها 400 جندي، فما كان من المتطوعين البوسنيين الذين كانوا يدافعون عن المدينة إلا أن سلموا أسلحتهم. غير أن قوة الأمم المتحدة لم تفلح في حماية المدينة التي هجم عليها الصرب وعزلوا الذكور عن الإناث وقتلوا جميع الذكور بين سن 14 و 50 عاما، ويعتقد أن عددهم فاق 8 آلاف، ودفنوهم في مقابر جماعية. وبقي أكثر المسؤولين عن هذه المذبحة هاربين من العدالة الدولية، وذلك بعد أن صنفت محكمة العدل الدولية في لاهاي ما حدث بالتطهير العرقي عن سبق الإصرار والترصد.
مذبحة تحركت على إثرها قوات الناتو في قصف جوي على الصرب مع تدخل بري محدود دفع بالصرب إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مع البوسنيين لتوقيع اتفاقية دايتون للسلام التي أنهت حربا استمرت ثلاثة أعوام، غير أنها لم تضع البوسنيين في موقف قوي.
يقول أحد العاملين في رئاسة البوسنة أيام الحرب: إن تدخل الناتو أنهى الحرب وكان لا بد منه وإن جاء متأخرا، غير أن تأخره أضعف شروط البوسنيين في التفاوض.

وفي عام 2005 أشار أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان إلى أن اللوم يقع في تنفيذ المجزرة على منفذيها ومن ساعدهم، وعلى الدول الكبرى والأمم المتحدة الذين فشلوا في اتخاذ إجراءات كافية تمنع المجزرة..

اليوم تعيش سوريا حربا تعددت فيها الأطراف واختلف كثيرون حول من يتحمل المسؤولية فيها، غير أن تخاذل المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والدول العربية والإسلامية عن نصرة الشعب السوري ورفع المعاناة عنه لم تغيرها السنون.
ورغم أن مجموعة أصدقاء سوريا اليوم معنية كما تعلن بمساعدة السوريين لإنهاء هذه الحرب الطاحنة، إلا أن اللافت هو أن أعضاء هذه المجموعة هم أنفسهم الذين تأخروا كثيرا في تلبية نداء البوسنيين.

ملاحظة: تمكنت سراييفو عام 1984 من احتضان الألعاب الأولمبية الشتوية متغلبة على مدينة غوتنبرغ السويدية وسابورو اليابانية ما أنعش السياحة إليها، وكانت أول مدينة أوروبية وثاني مدينة في العالم بعد سان فرنسيسكو جهزت بقطار كهربائي (ترام).
تاريخيا: أنشأها العثمانيون، وشهدت اشتعال شرارة الحرب العالمية الأولى بعد مقتل أمير نمساوي وزوجته فيها.

(يرجى إرفاق رابط المدونة في حال استخدام المقال لجهات أخرى)
المراجع: أرشيف صحف البيان والخليج الإماراتيتين ومواقع مختلفة على الانترنت

No comments:

Post a Comment