السينما... الخيال والواقع
طلب مني صديقي العزيز الناقد السينمائي محمد رضا أن أكتب مادة ترتبط بالسينما كي ينشرها على مدونته، إذ إن علاقة حب تربطني بالسينما منذ الأزل. كانت مفاجأة سارة جدا أعطتني فرصة لخطف استراحة من أخبار الأسى والحزن في بلدي سوريا.
هنا نص المادة لمن يرغب مع رابط مدونة العزيز محمد رضا
http://shadowsandphantoms.blogspot.de/p/force-majeure.html
كنت في نيويورك عندما وجدت نفسي ألوذ بالفرار من شوارعها الصاخبة فترة من الوقت بقرار التوجه إلى دار السينما. لم أشأ أن يطول ابتعادي عن هوايتي المفضلة حتى وأنا في أمريكا.
لم يكن قد مضى وقت طويل على نزول فيلم "المنتقمون" أو The Avengers إلى الصالات، وكانت قاعة السينما بطبيعة الحال مليئة بالمشاهدين على رغم عدد عروض يومية كبير بواقع عرض كل ساعة.
كنت أعرف أني لن أشاهد قصة مشوقة أو غرامية أو فيها فلسفة أو تحتاج إلى تفكير وتأمل من نمط الكتب الأكثر مبيعا وما إلى ذلك، وأني مقبلة على مشاهدة فيلم خيالي مليء بالحركة والمؤثرات الصوتية والبصرية والغرافيكس والخدع السينمائية غير القابلة للتصديق على أرض الواقع والتي صارت هوليوود مغرمة بها في الفترة الأخيرة، ولكني بكل الأحوال حجزت تذكرتي إلى الفيلم مدفوعة بفضول غامض، أو ربما كنت أبحث عن وسيلة مختلفة لقضاء الوقت.
من المحتمل أن تكون طبيعتي الصحفية واطلاعي الدائم على ما يحدث في هذا العالم دفعاني كي أغوص في ما وراء قصة الفيلم، متجهة إلى فكرة أقرب إلى الطفولية، وانتقلت من واقع مشاهدة مجرد فيلم إلى عالم الخيال الذي أرادنا المخرج أن نعيش بين جنباته، وتحولت إلى طائر يطوف في سماء القصص الخرافية وحكايا الأطفال الملونة والمليئة بمبالغات وأفكار يضحك المرء من مبالغاتها. في النهاية، أليس هذا ما أرادنا صانعو الفيلم أن نعيشه؟!
كان جمهور المشاهدين يقابل أي مشهد قصد فيه المخرج التأثير عاطفيا عليهم بالضحك والسخرية، ربما لأنهم أرادوا التسلية والاستمتاع اللحظي فقط، وهذا بطبيعة الحال ما أنتج الفيلم من أجله. غير أني بدأت أتساءل: لماذا كثرت في العقود الأخيرة أفلام هوليوود التي تصور قصص أبطال أقوياء خارقين يصارعون بشراسة، ويقفون في مواجهة شرور تتفنن وسائلها وطرقها في ابتكار آلات حديثة وروبوتات معقدة وذكية مبرمجة على أعلى المستويات التي آلت إليها علوم الكمبيوتر، وذلك بهدف تدمير العالم أو لتحقيق مصلحة فردية؟
عاد سوبرمان وسبايدرمان (الرجل العنكبوت)، ولا يزال باتمان (الرجل الوطواط) يحظى بالاهتمام، وجاء بعدهم بقليل آيرونمان (الرجل الحديدي) و(ثور Thor)، وبالترافق معهم جاء (كابتن أمريكا) الأول والثاني والثالث وغير ذلك.
كثيرا ما استبقت هوليوود بسيناريوهاتها أحداثا خيالية وجدت طريقها على أرض الواقع،
وربما يحتاج عالمنا المعاصر فعلا إلى أبطال غير عاديين، قدراتهم تتجاوز القدرات الإنسانية الطبيعية كي يستطيعوا في المقابل مقارعة رموز الشر ومساحاته التي نرى ونسمع ونقرأ عنها في نشرات الأخبار. المشكلة في أيامنا هي أن الشر لم يعد كما في السابق: رجل أو مجموعة رجال يحملون أسلحة نارية ويدخلون في مبارزات، أو عصابة تعتدي على منزل أو مبنى وتسرق وربما تقتل ثم تهرب، أو محتال يخترع كذبة كبيرة ويحقق مبلغا كبيرا بطريقة النصب. بالطبع كل ذلك لا يزال موجودا، لكن العصر الحالي أضاف تقنيات هائلة وضخمة إلى الأسلحة وجعل منها أجهزة مرعبة صنعت من خلال تطور غير مسبوق حدث خلال السنوات السبعين الأخيرة، كما أن المحتالين والمجرمين صاروا غير مرئيين، يختبئون خلف ستائر من الغموض والصفقات الكبرى ويدفعون موظفين لديهم للقيام إما بالمهمات القذرة أو بترتيب الأجواء اللازمة لتحقيق الأهداف. بات خوف الإنسان اليوم مضاعفا، خوف من قفزات نوعية في عالم التقنية، وخوف من أن ينقلب السحر على الساحر، وأن تتحول الأجهزة الكمبيوترية المتطورة جدا إلى كائن مفكر ينقلب ضد مخترعه كما حدث في قصة فرانكشتاين الخيالية القديمة.
ماذا يفعل الإنسان إذا قررت آلات زرعت بملايين الشرائح من عشرات العلماء أن تستقل بذاتها وتشكل عالمها الخاص ضد الإنسانية، كيف يمكن لمدافع وآليات عسكرية ودبابات وبنادق تقليدية أن تقضي على دماغ؟ وماذا لو أن شخصا أو أشخاصا موجودين فعلا مستفيدون من هذا الانقلاب المفترض؟
ليس بإمكان الإنسان فعل أي شيء في واحدة من المعارك الأزلية التي تدور بين الخير والشر إذا لم تقف معه قوى خارقة تساند الخير.
ورغم أن أبطال قصص "مارفيل" الخيالية تم ابتكارهم قبل أن يحدث هذا التطور اللافت في عالم الكمبيوتر، إلا أن هوليوود وجدت في استخراج هذه الشخصيات والاستعانة بها حلا يفرض نفسه مقابل واقع اليوم، فقد كانت قواهم المتخيلة مبالغا فيها جدا تجاه الوسائل التقليدية للإجرام، أما اليوم فربما يكون وقتهم قد حان.
فيلم «المنتقمون»، كما شاهدته، لم يكتف بأبطال القصص المعروفة، بل اخترع شخصية غريبة وجديدة هي مزيج من الالترون والبرمجة الكمبيوترية وبعض الحواس الإنسانية الميالة إلى الخير وحب إنقاذ البشرية من شرور تتربص بها. ورغم أن نهاية الفيلم شهدت ابتعاد "هوكاي" و"هالك" عن المجموعة، فيما تفرغ توني ستارك (الرجل الحديدي) لمتابعة أعماله مكتفيا بتمويل مشاريع تطوير فريق "المنتقمون"، إلا أنها أوحت كذلك بأن الطريق مستمر، وبأن جمهور المشاهدين سيكون على موعد مع جزء جديد من هذه السلسلة، طالما أن هذا الجمهور يستمر في المتابعة والإقبال بشغف على أفلام هوليوود التي تغوص في عالم الأحلام، والمصنفة في خانة "الساينس فيكشن" أو الخيال العلمي