Tuesday, June 23, 2015

السينما... الخيال والواقع

طلب مني صديقي العزيز الناقد السينمائي محمد رضا أن أكتب مادة ترتبط بالسينما كي ينشرها على مدونته، إذ إن علاقة حب تربطني بالسينما منذ الأزل. كانت مفاجأة سارة جدا أعطتني فرصة لخطف استراحة من أخبار الأسى والحزن في بلدي سوريا. 
هنا نص المادة لمن يرغب مع رابط مدونة العزيز محمد رضا

http://shadowsandphantoms.blogspot.de/p/force-majeure.html

كنت في نيويورك عندما وجدت نفسي ألوذ بالفرار من شوارعها الصاخبة فترة من الوقت بقرار التوجه إلى دار السينما. لم أشأ أن يطول ابتعادي عن هوايتي المفضلة حتى وأنا في أمريكا.
لم يكن قد مضى وقت طويل على نزول فيلم "المنتقمون" أو The Avengers إلى الصالات، وكانت قاعة السينما بطبيعة الحال مليئة بالمشاهدين على رغم عدد عروض يومية كبير بواقع عرض كل ساعة.
كنت أعرف أني لن أشاهد قصة مشوقة أو غرامية أو فيها فلسفة أو تحتاج إلى تفكير وتأمل من نمط الكتب الأكثر مبيعا وما إلى ذلك،  وأني مقبلة على مشاهدة فيلم خيالي مليء بالحركة والمؤثرات الصوتية والبصرية والغرافيكس والخدع السينمائية غير القابلة للتصديق على أرض الواقع والتي صارت هوليوود مغرمة بها في الفترة الأخيرة، ولكني بكل الأحوال حجزت تذكرتي إلى الفيلم مدفوعة بفضول غامض، أو ربما كنت أبحث عن وسيلة مختلفة لقضاء الوقت.
من المحتمل أن تكون طبيعتي الصحفية واطلاعي الدائم على ما يحدث في هذا العالم دفعاني كي أغوص في ما وراء قصة الفيلم، متجهة إلى فكرة أقرب إلى الطفولية، وانتقلت من واقع مشاهدة مجرد فيلم إلى عالم الخيال الذي أرادنا المخرج أن نعيش بين جنباته، وتحولت إلى طائر يطوف في سماء القصص الخرافية وحكايا الأطفال الملونة والمليئة بمبالغات وأفكار يضحك المرء من مبالغاتها. في النهاية، أليس هذا ما أرادنا صانعو الفيلم أن نعيشه؟!
كان جمهور المشاهدين يقابل أي مشهد قصد فيه المخرج التأثير عاطفيا عليهم بالضحك والسخرية، ربما لأنهم أرادوا التسلية والاستمتاع اللحظي فقط، وهذا بطبيعة الحال ما أنتج الفيلم من أجله. غير أني بدأت أتساءل: لماذا كثرت في العقود الأخيرة أفلام هوليوود التي تصور قصص أبطال أقوياء خارقين يصارعون بشراسة، ويقفون في مواجهة شرور تتفنن وسائلها وطرقها في ابتكار آلات حديثة وروبوتات معقدة وذكية مبرمجة على أعلى المستويات التي آلت إليها علوم الكمبيوتر، وذلك بهدف تدمير العالم أو لتحقيق مصلحة فردية؟ 
عاد سوبرمان وسبايدرمان (الرجل العنكبوت)، ولا يزال باتمان (الرجل الوطواط) يحظى بالاهتمام، وجاء بعدهم بقليل آيرونمان (الرجل الحديدي) و(ثور Thor)، وبالترافق معهم جاء (كابتن أمريكا) الأول والثاني والثالث وغير ذلك.
كثيرا ما استبقت هوليوود بسيناريوهاتها أحداثا خيالية وجدت طريقها على أرض الواقع، 
وربما يحتاج عالمنا المعاصر فعلا إلى أبطال غير عاديين، قدراتهم تتجاوز القدرات الإنسانية الطبيعية كي يستطيعوا في المقابل مقارعة رموز الشر ومساحاته التي نرى ونسمع ونقرأ عنها في نشرات الأخبار. المشكلة في أيامنا هي أن الشر لم يعد كما في السابق: رجل أو مجموعة رجال يحملون أسلحة نارية ويدخلون في مبارزات، أو عصابة تعتدي على منزل أو مبنى وتسرق وربما تقتل ثم تهرب، أو محتال يخترع كذبة كبيرة ويحقق مبلغا كبيرا بطريقة النصب. بالطبع كل ذلك لا يزال موجودا، لكن العصر الحالي أضاف تقنيات هائلة وضخمة إلى الأسلحة وجعل منها أجهزة مرعبة صنعت من خلال تطور غير مسبوق حدث خلال السنوات السبعين الأخيرة، كما أن المحتالين والمجرمين صاروا غير مرئيين، يختبئون خلف ستائر من الغموض والصفقات الكبرى ويدفعون موظفين لديهم للقيام إما بالمهمات القذرة أو بترتيب الأجواء اللازمة لتحقيق الأهداف. بات خوف الإنسان اليوم مضاعفا، خوف من قفزات نوعية في عالم التقنية، وخوف من أن ينقلب السحر على الساحر، وأن تتحول الأجهزة الكمبيوترية المتطورة جدا إلى كائن مفكر ينقلب ضد مخترعه كما حدث في قصة فرانكشتاين الخيالية القديمة. 
ماذا يفعل الإنسان إذا قررت آلات زرعت بملايين الشرائح من عشرات العلماء أن تستقل بذاتها وتشكل عالمها الخاص ضد الإنسانية، كيف يمكن لمدافع وآليات عسكرية ودبابات وبنادق تقليدية أن تقضي على دماغ؟ وماذا لو أن شخصا أو أشخاصا موجودين فعلا مستفيدون من هذا الانقلاب المفترض؟
ليس بإمكان الإنسان فعل أي شيء في واحدة من المعارك الأزلية التي تدور بين الخير والشر إذا لم تقف معه قوى خارقة تساند الخير.
ورغم أن أبطال قصص "مارفيل" الخيالية تم ابتكارهم قبل أن يحدث هذا التطور اللافت في عالم الكمبيوتر، إلا أن هوليوود وجدت في استخراج هذه الشخصيات والاستعانة بها حلا يفرض نفسه مقابل واقع اليوم، فقد كانت قواهم المتخيلة مبالغا فيها جدا تجاه الوسائل التقليدية للإجرام، أما اليوم فربما يكون وقتهم قد حان.

فيلم «المنتقمون»، كما شاهدته، لم يكتف بأبطال القصص المعروفة، بل اخترع شخصية غريبة وجديدة هي مزيج من الالترون والبرمجة الكمبيوترية وبعض الحواس الإنسانية الميالة إلى الخير وحب إنقاذ البشرية من شرور تتربص بها. ورغم أن نهاية الفيلم شهدت ابتعاد "هوكاي" و"هالك" عن المجموعة، فيما تفرغ توني ستارك (الرجل الحديدي) لمتابعة أعماله مكتفيا بتمويل مشاريع تطوير فريق "المنتقمون"، إلا أنها أوحت كذلك بأن الطريق مستمر، وبأن جمهور المشاهدين سيكون على موعد مع جزء جديد من هذه السلسلة، طالما أن هذا الجمهور يستمر في المتابعة والإقبال بشغف على أفلام هوليوود التي تغوص في عالم الأحلام، والمصنفة في خانة "الساينس فيكشن" أو الخيال العلمي

Monday, June 15, 2015


نحن السنّة!


عنوان صادم؟! لكنه واقع اليوم!

لم يسبق أن صرخ أبناء المذهب السني يطالبون بحقوق ترتبط بمذهبهم الديني مقابل مذاهب الآخرين الدينية. إذ إن خلاف علي ومعاوية كان سياسيا، وخلاف الحسين ويزيد كان سياسيا، وقتال صلاح الدين للصليبيين كان على خلفية احتلال ومجازر، وقتال المماليك للتتار كان ايضا على خلفية مجازر واحتلال. مقاومة الأفغان للاتحاد السوفياتي كانت ضد احتلال، ومقاومة الشيشان لروسيا كانت تعود إلى مظالم مدنية (وإن كانت مقاومة الأفغان والشيشان تحولت إلى تطرف نتيجة قسوة وإجرام الروس)، وحمل البوسنيين للسلاح جاء نتيجة مذابح الصرب تجاههم بعد أن تم تهميشهم وحرمانهم من حقوق المواطنة. في المقابل يعاني المسلمون السنة ظلما وتطهيرا في مناطق في الصين، وفي ميانمار (بورما)، وفي دول أفريقية عدة، وفي إيران (على قلتهم)، والآن في العراق يحملون على كواهلهم ذنوب صدام حسين ويعاقبون عليها إلى أجيال أبناء أبنائهم، ويذبحون بصمت ويفرون من بلادهم وأراضيهم بصمت.

كان السنة دائما مطمئنين في بلدانهم المختلفة، ولم يشكل لهم وجود طوائف أخرى معهم أي مشكلة لأن الأغلبية عادة لا تخشى على وجودها وحقوقها، ولأن من تعاليم المذهب السني حسن الظن بالناس، وفي الواقع هذا هو الخطأ الذي أصابهم في مقتل. فتبعا لاطمئنانهم وارتكانهم إلى عددهم الكبير الذي يتجاوز المليار إنسان لم يبحثوا عن مرجعية يحتكمون إليها ويعودون إليها في أمورهم، ولم ينتظمون سياسيا تحت مظلة واحدة، خصوصا وأنهم ينتمون إلى مختلف الأعراق والألوان ويتحدثون بكثير من اللغات ويترعرعون في بيئات متباينة. ولم تكن منظمة التعاون الإسلامي أكثر من واجهة فاسدة مشرذمة لا تهتم بالمصلحة العامة، بل ترهن أمرها وشؤونها إلى المهيمنين على الخط السياسي في العالم، شأنها في ذلك شأن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرها.

هذا التقصير الشديد هو ما جعل بقية المذاهب بل والطوائف والأديان المختلفة تتفوق على أتباع المذهب السني، فالآخرون يتوحدون تحت قيادة واحدة وراية واحدة كل حسب انتمائه ويسيرون خلف قياداتهم، حتى في حالة أديان كالهندوسية والبوذية والتي تصل أعداد أتباعها إلى مئات الملايين، ولا داعي لذكر أتباع الديانة اليهودية بالطبع، وجميعهم يتلقون الرعاية والحماية من قوى الاستعمار الجديد.
وقد جاءت شرارة ما يحدث في سوريا في ظل هيمنة طائفة معينة على مقدرات البلد وشؤون الحكم لفترة طويلة ومن ثم تنفيذ عمليات إبادة جماعية شاملة في مذابح بشعة تقشعر لها الأبدان، لتؤجج نيرانا تضيء العتمة وتفضح المستور.

ليس في الأمر سر، ولا هو جديد أن السوريين بجميع شرائحهم انتفضوا في عام 2011 طلبا للحرية والعدالة وحقوق المواطنة. وهي مطالب مشروعة في أي مكان في العالم وفي أي شرعة ومنهاج. غير أن العصابة التي كانت تحتجز البلاد في الأسر أبت إلا أن تنكل في الثورة الإنسانية وأن تنفخ في عنصر الطائفية البغيض من خلال المذابح والقتل والفيديوهات والتعذيب في السجون، حتى انتشر التطرف والحقد والغل في قلب الضحية، واختفت مطالب الحرية والعدالة والكرامة لحساب الاصطفافات المذهبية والطائفية.
خلال أكثر من أربع سنوات توالى سقوط الضحايا بأرقام مذهلة، أكثرهم ينتمون إلى الأغلبية السنية في سوريا، توقف خلال هذه المدة سياسيو العالم الواحد تلو الآخر عن الشجب والاستنكار والإدانة لأي مذبحة جديدة أو عملية وحشية توقع قتلى، غير أن هؤلاء السياسيين أنفسهم كانوا يسارعون بالصراخ والاستنكار عندما تقع حوادث خاطفة يقع خلالها عدد من الضحايا التابعين لمذاهب أخرى كالإيزيديين أوالدروز أوالشيعة.

بالطبع غني عن القول إن قتل أي بريء مهما كان انتماؤه ودينه أمر مرفوض بشكل قاطع، وتنهى عنه الشرائع والقوانين في كل زمان ومكان، لكن من العهر أن يستفيق العالم على صراخ ضحية غير سنية ثم يعود إلى النوم بينما يطرب لسماع آهات المعذبين والضحايا من السنة في سوريا وكذلك العراق.
من هذا المنطلق وتحت هذه الظروف نصرخ نحن السنة الذين يغرز العالم سكاكينه في أجسادنا.
من هذا المنطلق نحمل هذا العالم المسؤولية الكاملة عن ظهور تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش تستند في دعواتها إلى ما يعانيه السنة من ظلم وجور وطغيان، ثم تتابع تنكيلها بالمعتدلين من أبناء السنة أنفسهم.
من هذا المنطلق نطالب نحن السنة بضمانات لسلامتنا وحقوقنا الإنسانية، ولسنا نحن من يطالبه العالم بتقديم ضمانات لحفظ سلامة الآخرين، فالآخرون (من طوائف ومذاهب ومتطرفين) هم من يذبحون السنة وليس العكس، والآخرون هم من يطمئنون لحماية العالم لهم ولوجودهم، وليس السنة. إلا إذا كان العالم بأسره يستهدف أبناء المذهب السني تحديدا دون غيرهم!