في ذكرى "الاندساس"!
كل عام والمندسون لا يزالون مندسين! هؤلاء الذين انطلقت بهم ثورة الحرية والكرامة في سوريا، تناقصت أعدادهم اليوم، فطوبى لهم.
أكمل المندسون عامهم الرابع منذ أن سقط أول شهيدين للثورة وخضبت دماؤهما أرض حوران المعطاء. حسام عياش ومحمود الجوابرة، لم يكونا أول من قتلتهما عصابة الأسد في سوريا، لكنهما كانا أول شهيدين تستطيع الكاميرا بالصوت والصورة توثيق سقوطهما على أيدي هذه العصابة، فلطالما قتل الأسد الأب والابن وأعوانهما أبرياء في السجون والمعتقلات والشوارع والمنازل من دون أن يتمكن أحد من توثيق ذلك إلا عبر قصص شفهية تناقلتها الألسن.
ومنذ ذلك اليوم لم يهنأ الشعب السوري بعيشة آمنة مطمئنة كريمة سالمة. منذ ذلك اليوم يدفع السوريون ثمن طموحهم للكرامة وحلمهم بالحرية. الكرامة في أن يعيشوا رجالا ونساء وأطفالا وكهولا وشيوخا عيشة إنسانية تتحقق فيها مبادئ العدل والمساواة، والحرية في قول كلمة حق عند سلطان جائر من دون خوف من قتل وملاحقة وتعذيب واغتصاب.
منذ ذلك اليوم لم تعترف المافيا الأسدية بالإنسان وبحقوقه، فكان أن وصف بشار المتعطشين لإنسانيتهم بالمندسين!
منذ ذلك اليوم تسلقت على هذه الشجرة العظيمة، شجرة الحرية والكرامة، طحالب وأعشاب سامة وضارة، مهمتها كانت أن تقتل البراعم والزهور في مهدها، وأن تحول الشجرة إلى فوضى عشوائية، فظهر على جذعها وأغصانها متفزلكون؛ وهواة سياسة ومنتفعون؛ وحملة سلاح مأجورون؛ ومدّعو صحافة وإعلام وشتّامون ونمّامون ومحطّمون للآمال؛ ومعرقلون لأي مسيرة للخير وضاربون لمصداقية أي عمل جماعي؛ وكذلك أشخاص نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة والسوريين، وآخرون بدل أن يعملوا للوطن ويخدموه أخذوا يعملون لمصالحهم الشخصية ومنافعهم، وثرثارون يدسون السم بالعسل ويشعلون الأحقاد والبغضاء في قلوب الناس ويؤلّبون الأطراف على بعضهم البعض، وطائفيون يؤججون المشاعر المذهبية والدينية على حساب الكرامة الإنسانية والحقوق العادلة.
تمكن هؤلاء الموتورين من تشتيت الانتباه وتحويل الأنظار عن جرائم مافيا دمشق، واستطاعوا بما لديهم من قوة شر أو أمراض نفسية واجتماعية أن يشغلوا مؤيدي الثورة عن هدفها الأساسي وهو التركيز على قطع رأس الأفعى، فكان أن دبت الفوضى في أوصالهم وأصبح شغلهم الشاغل كيف ينتقدون هذا ويشتمون ذاك ويستمعون إلى إشاعات ويتناقلونها كوقائع من دون التحقق من صحتها. تحولوا إلى أنانيين سوداويين لا همّ لهم سوى أنفسهم واعتقاداتهم والزاوية التي ينظرون إلى الأمور من خلالها.
تمكن الموتورون من إلهاء العاملين في مجالات الثورة إلى سبل تحقيق أرباح شخصية وتكوين ثروات على حساب الجائعين والعراة والمشردين، ومنهم من كان مشكوكا في ولائه للثورة منذ البداية فجعل من نفسه نموذجا مخزيا يشار إليه بالبنان ويقال عنه: انظروا، هذا ما أفرزته الثورة.
هكذا صار "المندسون" الأصليون الأوائل قلة، وضاع صوتهم بين ضجيج العوام والغوغائية والفساد، ناهيك عمن استهدفتهم العناصر الأسدية وأخفتهم خلف الشمس.
إنها ثورة أخلاق ومبادئ، وليست فقط ثورة ضد طغمة الأسد الفاسدة الحاقدة المجرمة، إنها الثورة التي كان يجب أن تندلع، مرآتها بدأت تعكس صورتها منذ حسام عياش ومحمود الجوابرة إلى حمزة الخطيب وثامر الشرعي ومشعل تمو وباسل شحادة وغياث مطر وحسين هرموش وأبو الفرات والشيخ أحمد الصياصنة وابراهيم القاشوش والخال غسان سلطانة والأب باولو ومي سكاف وأصالة وأسماء مشرفة أخرى كثيرة، وجميع شهداء الحق تحت براميل الموت أو صواريخ الغدر أو تعذيب المرضى الساديين لهم في المعتقلات أو بغازات الأسديين البغيضة أو بسكاكين الوحوش الشبيحة وميليشيات حزب الله أو بفعل العوامل الجوية القاسية التي ضربت مخيمات لاجئين هربوا من بطش وجور الخنازير البرية. وكذلك جنود الكاميرا الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لنقل الصورة الحقيقية. مرآة الثورة يعكسها الصابرون على إذلال العناصر الأسدية على الحواجز في الشوارع، وعلى المعاناة من دون وسائل تدفئة وكهرباء وماء وطعام، يعكسها الجائعون في حصار مخيم اليرموك وريف دمشق وأحياء حمص وغيرها، يعكسها من خرجوا من ظلام تحت بطش الأسد إلى ظلام أكثر قتامة تحت سيطرة داعش وجنونها.
جميع هؤلاء وأشباههم هم المندسون الحقيقيون الذين كان سيخافهم بشار الأسد فعلا، وهؤلاء من يجب أن يعودوا لتتكاثر أعدادهم فيشكلوا القوة الحقيقية، قوة العدل والحب والسلام والبناء والحق والإنسانية والعقل واحترام الآخر.
وإلى أن يعودوا، طوبى للقليل ممن بقوا في خانة الاندساس، وكل عام وهم لا يزالون مندسين نظيفين شرفاء، كلمة الحق نبراسهم، والظلم عدوهم، والعقل منارتهم.
ميساء آق بيق
الثورة مستمرة